وباسمها اعتصمت المرأة فنهضت من تحت قدم السيد الساحقة ووقفت عالية الجبين إزاء مسالك الحياة وأعمالها. وفي سبيلها وضع ماركس كتابه الشهير صارخا «اتحدوا يا عمال العالم!» فتبارى الزعماء في تكوين الأحزاب، وسن القوانين، ونشر اللوائح، وإقامة المؤتمرات الثلاثة لاتحاد العمال الدولي. وهي هي التي هزت الروسيا من أقصاها إلى أقصاها، وأضرمت تحت سمائها شعلة الثورة المدلهمة.
اذكرها يتزاحم حولك جمهور دعاتها وكهنتها: ماركس، ولاسال، وإنجلس، وبرودن، وباكونين، وكروبتكن، وعشرات غيرهم يدحضون مذهب دارون وهوبس القائل بتنازع البقاء بمذهب التضامن والتعاون البادي بين جميع الموجودات.
بل اذكرها يضج حولك هتاف الشعوب، وصراخ المراتب الاجتماعية، وأنين المحتاجين والمتوجعين. هؤلاء لا يفقهون معناها تماما ويزعمون أنها مشاركة الغني بغناه، والوجيه بوجاهته، والمنعم بنعمته. وحسبهم أنها تخفي عنهم شبح غد غدار لا يضمن لهم ولذويهم الغذاء. أو يرون فيها انفراجا معتدلا لضيقهم، كذلك العامل الإنجليزي القائل: «أتريد أن تعرف ما هي المساواة؟ عشر شلنات في النهار يا سيدي.»
تكاد تكون المشاكل الدولية ألاعيب إذا ما قوبلت بالمشاكل الاقتصادية التي يسمونها اجتماعية. ومشكلة «المساواة» هي الآن أم المشاكل، واسمها يطن من كل صوب.
وإنها مع الحرية والإخاء لتهز نفسي، وقد لمستها منذ أن كان لي نفس تتحرك. غير أني وصلت إلى نقطة أود عندها تحليل كل شعور وكل تأثير.
ما هي المساواة، وأين هي، وهل هي ممكنة؟ هذا ما أرغب في استجلائه في الفصول الآتية دون اندفاع ولا تحيز، بل بإخلاص من شكلت من جميع قواها النفسية والإدراكية محكمة «محلفين» يستعرضون خلاصة ما تقوله الطبيعة والعلم والتاريخ، ليثبتوا حكما يرونه صادقا عادلا.
الفصل الأول
الطبقات الاجتماعية
أصل الخليقة في المثيولوجية الهندية أن بيضة الذهب الحاملة برهما كانت تطوف على وجه الغمر عندما انطلق منها الإله، فانفلقت قشرتها فلقتين كونت إحداهما السماء وكانت الأرض من الأخرى. ونشر برهما الأثير بين الأرض والسماء، ثم خلق الكواكب والنبات والأشجار والحيوان فتهيأت الأرض لسكنى النوع البشري. إذ ذاك سحب من رأسه رجلا يدعى برهمانا، وسلمه «الفيدا» أو كتب الهند المقدسة مستودع الحقيقة الخالدة. ومن برهمانا هذا ولد البراهمة الذين عهد إليهم في نشر الديانة وتعزيز أصولها. ثم أخرج برهما من ذراعه اليمنى محاربا يدافع عن الكاهن ويبقيه منيع الحوزة محمي الذمار، واستل من فخذه رجلا ثالثا هو الفلاح الذي يهيئ للجندي وللكاهن الغذاء، والتاجر الذي يمهد أمامهما وسائل الحياة ويضمن لهما موارد الرزق والثروة، وأخيرا انتزع من قدمه المقدسة رجلا رابعا هو أبو الصنائع وزعيم طبقة العاملين للآخرين؛ ومن هذه المخلوقات الأربعة المخترجة من جسم برهما تسلسلت شعوب الهند بمراتبها الاجتماعية، تضاف إليها طبقة الأسافل المتشردين (وما هي إلا حثالة الطبقات الأخرى) المختلفة عن أبناء برهما بما توعزه من رعب واحتقار؛ لأنها خلاصة القبح والتعاسة.
لقد ارتفعت قيمة الفكر الهندي في هذا العصر ارتفاعا كبيرا بما يرمي إليه من حقيقة علمية فلسفية وراء أسلوبه الشعري ومظاهره الخيالية؛ ومغزى هذا الرمز إلى الخليقة أن البشر - وإن كانوا أبناء إله واحد، مخلوقين على صورة واحدة - يستمدون الحياة من أصل واحد، ويعجن جسمهم من طينة واحدة تتماثل بها احتياجاتهم ورغباتهم، إلا أنهم في الوقت نفسه أسرى التنوع تكييفا، أسرى التنوع قهرا؛ يقيدهم هذا التنوع الأولي فيحبو كل فرد وكل طائفة منهم كفاءة تختلف عن كفاءة الآخرين، ويودعهم براعة وحذقا يتساويان قوة عند الجميع وإن تميزا مظهرا طبق العمل المطلوب.
Bilinmeyen sayfa