Huzur Diyarında Gezinti ve Öteki Dünyadan Haberler
مرور في أرض الهناء ونبأ من عالم البقاء
Türler
ثم خرجت فوجدت الشيخ في الحديقة يشتغل فيسقي الأشجار، ويحرث الأرض، فأقبلت عليه وحييته، وفيما أنا أتحدث معه سمعت صوت حنوش ينادي: أبا الأجران، قد آن أوان الرحيل.
فحالا هممت على يد الشيخ فقبلتها وقلت له: «خاطرك دعيلنا بالتوفيق»، فقد آن وقت الرحيل. فقال: مع السلامة، ربنا يبلغك السعادة.
فخرجت من الدار وقابلت حنوش، فسألني عن صحتي وانشراحي، ثم سرنا إلى المكان المعهود، وقابلنا منوش، وبعد ذلك صعدنا في الأعالي بسرعة النسيم، ولم تمض برهة إلا وعالم الهناء قد احتجب عنا، ولم نعد نرى شيئا منه.
وبعد أن سرنا مسافة طويلة سألني حنوش عما إذا كنت سررت في أرض الهناء، فقلت له: إنني أشكر رفيقك منوش الذي كان السبب في مكوثي يوما ثانيا فيها، وكنت أود أن يبقى متوعك المزاج إلى أيام كثيرة، حتى أتمتع بهناء هذه الأرض الجميلة، فنظر إلي منوش نظرة كلها معان، فسكت خوفا من إعادة الخصام.
ثم قلت لحنوش: يا ليت أرضنا تصير يوما مثل هذه الأرض التي لا ظلم فيها، ولا جوع، ولا طمع ، ولا سكر، ولا فساد، ولا مزاحمة، ولا قساوة، ترى هل يتم لتلك الأرض - وخصوصا بقعتنا - ما تم لهذه؟! آه «يا حسرتي»! قد تركتها وأنا غير مجبور الخاطر، تركتها وأنا بعيد عن مسقط رأسي، بعيد عن بلاد نخر عظمها سوس الاستبداد، ومزق لحمها الظلم والعسف، وبدد شمل سكانها الانشقاق، كنت أود أن يطول عمري لأرجع إليها وأنظر ذلك الانقلاب الموعود به، ولكن خابت آمالي لأن الموت قد عجل علي وأنا في سن الكهولة؛ السن الذي يهدأ فيه الفكر، وتسكن أمواج الشهوات في الجسد، ويعتدل في كل مطاليبه؛ السن الذي يجب أن أخدم فيه وطني وأولاد جنسي، ولكن الذنب ذنبي في تقريب أجلي، أنا أستأهل «ضرب البراطيش»؛ لأنني خالفت الوصايا، خالفت شروط الحياة الحقيقية. إني استعملت كل وسائط الانتحار البطيء، كنت أكرع العرق من «الصرماية»، كنت لا أنام من الليل إلا ربعه، وما تبقى كنت أمضيه «بأكل الهواء والتعتير»، كنت أنام في أوضة مظلمة رطبة لا تنظرها الشمس بعين مع أربعة أو خمسة أنفس، كان يمضي علي سنة وسنتان وجسمي لا يترطب بالماء، وكنت لا أنزع ثيابي إلا كل شهر أو شهر ونصف مرة، كنت آكل كيفما اتفق لي، لا أراعي في الطعام شرطا من شروط النظافة والتغذية. وكانت كسوتي خفيفة أمضي فيها فصول السنة كلها، فكان البرد يخرق عظامي، وفضلا عن هذا كله كنت أحمل على ظهري حملا يرزح تحته البعير، وأمشي وأنا على تلك الحالة طول النهار، والعرق يسقط من جسمي بغزارة.
آه يا أخي حنوش! إن كثيرين أمثالي من أولاد جنسي تركوا بلادهم وتغربوا، فانهدمت أركان أجسامهم من ثقل الحمل، فهم بهذا يعجلون انقراض أعمارهم، كل ذلك لأجل كسب المال، وهذا المال الذي يكسبونه من وراء هذه الحرفة المنهكة لا يكفيهم بعد ذلك أجرة تطبيب وثمن دواء.
ولكن الذنب ليس عليهم، بل على الظروف التي وجدوا فيها، فهي التي تقودهم وهم صاغرون، ولا أنسى أن للجهل يدا في ذلك.
فنظر إلي حنوش نظرة الشفوق الرحوم، وكفكف دمعتي، وطيب خاطري بكلام رقيق لطيف معز.
ثم سألته عما إذا كنا اقتربنا من دنيا الآخرة، فقال: إننا قربنا من مكان القصاص الأول، وستنظر بعينك كل شيء، وأنا ورفيقي سنبقى معك إلى النهاية، وربما بقينا إلى ما بعد قصاصك الذي سيكون الآن خفيفا بسيطا؛ نظرا لما أنت عليه من طيبة القلب، وخلوص النية، وسلامة الطوية، ومحبتك لوطنك وأهله.
فلا تجزع، فإن الله شفوق رحوم غفور.
Bilinmeyen sayfa