وقالت مبهورة الأنفاس بعض الشيء: «أجل، أجل، كان يبدو في صورة بديعة. لم أر في حياتي بأسرها ولو لوحة لرجل بارع الحسن جسدا وروحا مثل سيد النحل. أرجو أن تمكث عند عودته حتى تستقي من نقاء روحه. فسوف تجد ما يعينك على ما تبقى من حياتك عند اطلاعك على مدى لطف وطيبة وحسن خلق مايكل ورذينجتون. إن الصحف اليوم تفيض بأخبار عن أفعال يجب ألا يقدم عليها الرجال. أتمنى لو كان بإمكان كل شاب في العالم بأسره أن يعيش سنة واحدة مع رجل مثل سيد النحل ليتعلم صبره وتسامحه، وسعة أفقه، ونظرته المحبة للحياة، وعدم خوفه من الآخرة.»
سأل جيمي: «لماذا، إذن، كان يعارض إجراء الجراحة أشد المعارضة؟»
تسللت حمرة داكنة إلى وجنتي مارجريت كاميرون.
وأجابته قائلة: «حسنا، من بين الأسباب، أنه جاء إلى هنا بقلب مفطور. إنه لم يحدثني عن الأمر بالتفصيل قط، لكنني قد أتيت هنا مرتين بينما كان يتحدث مع الكشافة الصغير، وأعتقد أن ذلك الطفل يعلم من الشخص أو ما الشيء الذي فطر قلبه. أعتقد أن ذلك الطفل يعلم مما كان فراره حين جاء إلى هنا وحده فقط مع أثاث لمكتبته ومخدعه. ثمة صورة في مخدعه، ربما صورة زوجته. سألته مرة عنها فقال إنها ماتت منذ عدة سنوات وإنه فقد، أيضا، طفلتها التي كان متيما بها. لكن كان ثمة شيء أكبر من ذلك. الموت ليس من الأشياء التي يصعب تجاوزها إذا صاحبه الأمل، ويمكن اعتبار وجه المرأة المعلقة صورتها في مخدع سيد النحل تجسيدا نموذجيا للأمل، للنقاء، للشجاعة التي لا تلين، أي صفة طيبة يمكن لأي امرأة التحلي بها. وقد فقدها، وفقد طفلتها، كما يساورني يقين أنه قد فقد منزله وأصدقاءه. أعتقد أن قدرته على التحمل نفدت شيئا فشيئا، وحين لم يعد قادرا على الاستمرار استسلم وسلم أمره لرب كريم.»
هكذا استرسلا في الكلام حتى الغسق. وبعد أن جمعت بقايا عشائه في السلة الصغيرة وقبل أن تعود مارجريت كاميرون إلى منزلها، دعته ليأتي إليها متى شعر بالوحدة، ووعدته أن تساعده في عمله الصباحي حتى تتأكد أنه قد تعلم ري الزرع بالطريقة الصحيحة؛ لأن الزنابق لا بد ألا تروى للدرجة التي تجعل بصيلاتها تتعفن، ولا بد من حماية الورود من الإصابة بالعفن الفطري، ولا بد أن يظل النخل جافا من دون إفراط، وأن تروى أشجار السنط من دون مغالاة. شعر جيمي، بعد أن انتهت من إحصاء الأسباب التي تحتم قدومها، أن وجودها ضرورة حقا عندما يبدأ العمل.
بعد ذلك ذهب إلى حجرة المعيشة، ولأن دمه كان مليئا بالسموم ويدور ببطء، فقد أشعل عود ثقاب وأوقد الحطب الموضوع في المدفأة. وظل وقتا طويلا ينظر إلى الكرسي بجانبها، وهو ذو ظهر مرتفع بمسندين عريضين للذارعين، ويغري بالجلوس. من دون حتى أن يغمض عينيه استطاع أن يرى الشعر الحريري واللحية والجبهة البيضاء والعينين الجميلتين للرجل العجوز المهيب الذي كانت روحه مسيطرة على النحل ومسيطرة على المنزل ومسيطرة على روحه، وكان ثمة وازع بداخل جيمي، جزء مهم من شخصيته جعله يرفض أن يأخذ مقعد السيد. لذا نحاه جانبا واختار واحدا آخر رأى أنه سيناسب هو الآخر قامته الفارعة إلى حد كبير. ثم فتح الخزانة المعلقة فوق طاولة الكتابة والتقط أحد المجلدات التي كان الكشافة الصغير قد أشار إليها. وقد انفتح وحده على إحدى الصفحات، وكانت أولى الفقرات التي وقعت عليها عينا جيمي تقول: «هناك نوعان من الحكام بين النحل، فإنه يهلك إن كثر عدد الحكام؛ لأنه يصير بذلك مشتتا. يتكاثر الزيتون وأسراب النحل في الوقت نفسه. وهم يبدءون بصناعة القرص، الذي يضعون فيه ذريتهم. ينتقل القرص في أفواههم، كما يقول أولئك الذين يؤكدون أنهم يجمعونه من مصادر خارجية. يصنع الشمع من الزهور. فإنهم يأتون بالمادة الخام للشمع مما يتساقط من الأشجار، أما العسل فيسقط من الهواء، بالأخص حين ترتفع النجوم وحين يسقط قوس قزح على الأرض.»
حين قرأ جيمي تلك الفقرة اهتز منكباه ضاحكا ضحكة سخرية. توقف عن القراءة وبدأ يناجي النار.
فقال: «أما وقد أسندت إلي مهمة رعاية النحل هذه، فإن علي الذهاب حيث الكتب المفيدة وانتقاء مجلد به تعليمات للمبتدئين لأكتشف بنفسي بضعا من تلك الأشياء التي ذكرها الكشافة الصغير، كيف أعرف الملكة من العاملة، والذكر من الممرضة. أعتقد أنني سأشعر بأنني حاد الذكاء إذا استطعت أن أرى النحلة وهي تتسلق الزهرة فأعرف ما إن كانت نحلة عاملة أم ممرضة. ترى هل يعلم الكشافة الصغير تلك الأشياء؟»
نظر جيمي إلى النار.
قال لنفسه: «لا ينبغي أن أندهش البتة.» وتابع: «أرى أن ما علي هو فهم الجزء العملي من حياة النحل أولا وقراءة الخيالي فيما بعد، لكنني، بحق قوسي وبلطتي، أقسم إن هذه الكتب الخيالية عن النحل تغري بالقراءة!»
Bilinmeyen sayfa