الأحيان يخطر بفكرتى قول القائل: من ألّف فقد استهدف، فيحملنى على ألا أضيف شيئا. فقال: يا سبحان الله: لم تقتض ذلك الحكمة التى ظهرت فى بناء الماضى للآتى، وتصنيف السالف للخالف، وإنما ذلك قول عاجز أراد أن يعجز المصنفين، كما أن البخيل أراد أن يبخل الناس، فقال! إن الصنيعة لا تكون صنيعة حتى يصاب بها طريق المصنع.
وانت إذا استفزك ذلك المعجز بتلك اللفظة، وثناك عن قصدك، كنت قد ضيعت مقدار نفسك فى هذه الصناعة، وكتمت من علمها ما أمرت بإظهاره.
وقد جاء فى صحيح مسلم أن رسول الله ﷺ قال: «لا ينبغى لمن عنده شىء من العلم أن يضيع نفسه» . ثم قال: وبعد هذا كله فكم تقدر من سفر فى الكتابين اللذين أوصاك والدك بتكميلهما؟ قلت: مع الاختصار يكونان من عشرة أسفار. قال: هذا مصنف ملوكى لا ينسخه إلا ملك أو من له همة ملوكية وقليل ما هم، ولكن إن أردت أن تكمل مصنفاتك فى عمرك، وتجول فى الأقطار فى حياتك وتذكر بها بعد وفاتك، فاعتمد على قول ابن عباس رضى الله عنه: العلم أكثر من أن يؤتى على آخره، فخذوا من كل شىء أحسنه.
وقد قال يحيى بن خالد «١»: الناس يكتبون أحسن ما يسمعون/ ويحفظون أحسن ما يكتبون، ويحدثون بأحسن ما يحفظون، فاعزم على ان تثبت فى طيارات مصنفاتك أحسن ما تحفظ، إن الشىء عندك كثير، فإن استوفى أمد حياتك تصنيف ما رسم لك من هذا، وكانت فيه فضله لما بقى، استدركت بالغربلة الثانية أو الثالثة ما تريده على حسب انفساح العمر، ونوع أجناسه، لينفرد كل مصنف بفن يستوفى ملح أغراضه. فقد قال عتبة بن أبى سفيان لمعلم ولده «٢»: ولا تخرجهم من علم إلى علم فإن ازدحام العلوم فى السمع مضلة
1 / 44