الدفاعى عن نفسها تجاه حضارة المشرق الأم، وهو موقف من يحس بفضل حضارة أخرى عليه، ولكنه يريد أن يثبت أنه وإن كان مصدر حضارته من غيره، فإنه قد تفوق فيما أخذ وتميز فيما أبدع، وأصبح بعد ذلك صاحب شخصية مستقلة يمكن أن تطاول من كان السبب فى وجودها.
وهذا الموقف الدفاعى هو الذى جعل ابن دحية يؤلف كتابه «المطرب من أشعار أهل المغرب، للملك الكامل الأيوبى، ليعرف المشارقة بالشعر الأندلسى والمغربى «١» فجمع فى كتابه صورا مما «يهتز عند سماعه ويطرب، فى الغزل والنسيب، والوصف والتشبيب، إلى غير ذلك من مستطرفات التشبيهات المستعذبة ومبتكرات بدائع بدائه الخواطر المستغربة «٢»، ولمح سير ملوك المغرب وملح أخبار أدبائه، ورقيق معانى كتّابه، وجزل ألفاظ خطبائه» «٣» وقد أخذ يذكر الأمثلة من الشعر التى تفوق فيها شعراء الأندلس، فيأتى مثلا بأبيات للحكم الغزالى ويقول: «هذا الشعر لوروى لعمر بن أبى ربيعة أو لبشار بن برد أو للعباس بن الأحنف ومن سلك هذا المسلك من الشعراء المحسنين لا ستغرب له، وإنما أوجب أن يكون ذكره منسيا أن كان أندلسيا، وإلا فماله أخمل، وما حق مثله أن يهمل» «٤» وإذا كان ابن دحية قد أطلق لفظ «المطرب» على لون من الشعر استأثر بإعجابه، فإننا نجد ابن سعيد يتسع فى هذه المصطلحات التى تقف عند طبيعة «الصورة الفنية» ويقسمها حسب ما تثيره فى النفس من إعجاب إلى خمسة أقسام:
المرقص، ثم يليها المطرب، فالمقبول فالمسموع، وأخيرا المتروك. يقول فى كتابه
1 / 36