على ذلك، كذلك أخباره فى مصر والشام مثل اتصاله بابن يغمور وابن العديم أو بقرنائه من الشعراء والأدباء مثل الجزار والبهاء زهير وابن مطروح وابن أبى الاصبع وابن سابق، فكلها يؤكد ما قلناه عن هذه الشخصية المحببة إلى نفوس عارفيها، وقد سجل ابن سعيد فى كتبه أخبار من تلك المسامرات، ويكفى أن يقبل عليه رجل فى مثل شخصية السلطان توران شاه حين كان فى طريقه إلى مصر ليتولى السلطة بعد وفاة أبيه فيجعل من ابن سعيد نديما من ندمائه بعد هذا اللقاء القصير العابر.
(هـ) لم تكن شخصية ابن سعيد وهى ما تصورها حياته ومؤلفاته متزمتة أو متكلفة للوقار، فهو أديب يأخذ من أسباب اللهو والطرب أوفى نصيب، عاكف على مجالس الأنس ومجامع الشراب، يقتنص ساعات السرور ويحرص عليها ويعبر فى شعره عن كل ذلك. يقول «١»: دخلت تونس مع أبى العباس الغسانى حماما، فنظرنا إلى غلمان فى نهاية الحسن ونعومة الأبدان. فقلت مخاطبا له:
دخلت حمّاما وقصدى به ... تنعيم جسم فغدالى عذاب
فقلت لظى فاعترضت حوره ... وقلت عدن فنهانى التهاب
وأنت فى الفضل إمام فكن ... فى الحكم ممن حاز فصل الخطاب
فقال:
لا تأمن الحمّام فى فعله ... فليس ما يأتيه عندى صواب
فما أرى أخدع منه ولا ... أكذب إلا أن يكون السراب
يبدى لك الغيد كحور الدّمى ... ويلبس الشيخ برود الشّباب
ظنّ به النار فلا جنة ... للحسن إلا ما حوته الثياب
كذلك نجد له أبياتا أخرى تدل على عدم تحرجه مثل تلك التى قالها فى افتضاض بكر «٢»:
1 / 19