يفعل الموت والحياة، فلما ادعى الكافر القدرة على ما يصح أن يراد بالإحياء والإماتة من فعل ما أجرى الله العادة بخلق الموت والحياة عنده في الجسد المفعول به ذلك كما قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ [المائدة: ٣٢]، وكان القتل أيضا قد يعبر عنه بالإماتة عند العرب، بين له إبراهيم ﷺ أن علته ليست الأفعال التي حمل عليها كلامه جهلا منه بمراده أو تمويها؛ لأن الإحياء والإماتة إذا أطلقت أظهر في اختراع الموت والحياة منها فيما حمله عليه الكافر، فكيف إذا اقترنت بها قرينة تدل على أنه لم يرد بها إلا ذلك، وهي ما استفتحا الكلام فيه. من الربوبية التي تقتضي ذلك، وأتاه ﷺ بألفاظ لا يمكنه فيها تمويه ولا يسعه فيها عمل، ولم يخرج عما ابتدأ به الكلام معه من الحكم بالربوبية لمن يقدر على اختراع الأفعال وخلقها؛ لأن الصفة في ذلك واحدة لا تتزايد ولا تختلف، فقال له: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ﴾ [البقرة: ٢٥٨] أي إن كان ما ادعيت حقا من أن الإحياء والإماتة أنت فاعلها وتقع بحسب إرادتك؛ لأن من يقدر على فعل شيء يقدر على فعل مثله. فلما رأى الكافر ما ألزمه ﵊ به ولم يقدر على دفعه ولا أمكنه فيه تمويه ولا عمل بهت كما قال تعالى. فلم يخرج إبراهيم ﷺ من دليل إلى دليل، بل إنما قطعه وأبهته بالدليل الذي استفتح به كلامه والحمد لله. وقال ﵎: ﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ﴾ [الأنعام: ٧٥] ﴿فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ﴾ [الأنعام: ٧٦] إلى قوله ﴿وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام: ٧٩]، فاستدل إبراهيم ﵊ بما عاين من حركة الكواكب والشمس والقمر على أنها محدثة؛ لأن الحركة والسكون من علامات المحدثات. ثم علم أن كل محدث فلا بد له من محدث وهو الله رب العالمين. وهذا وجه الاستدلال وحقيقته قصه الله ﵎ علينا تنبيها لنا وإرشادا إلى ما يجب علينا. وهذا- في القرآن كثير
1 / 16