Arap Belağatını İncelemeye Giriş
مقدمة لدراسة بلاغة العرب
Türler
إن مسألة الجنس من حيث أثرها في الأمم وعقولها، مسألة غير مسلم بها على إطلاقها، ولا يمكن أن يسلم بها إنسان مفكر تسليما مطلقا؛ لأن مذهب الفيلسوف تين في ذلك مذهب أصبح الآن متهما بالمبالغة وعدم التحقيق، ولأن الحوادث أثبتت لنا أن بعض الشعوب الصغيرة التي اتخذها أصحاب هذا المذهب برهانا ودليلا على نظرياتهم، ظهرت فيها قدرة تكاد تضارع أهل الجنس الأبيض. والحوادث والأيام تبرهن على تأييد مذهب هؤلاء. والحقيقة أن السبب في هذا الاختلاف الذي نراه في الأمم وتربيتها راجع إلى البيئة والحوادث. ونضرب لذلك مثلا بحالة العرب قبل الإسلام وبعده؛ فقد كانوا في جاهليتهم، لا يعرفون غير عيشتهم الساذجة وحياتهم الفطرية، ولا يدركون من أحوال الاجتماع غير شن الغارات والحروب، وكان العربي ليس له إلا سيفه ورمحه ومركبه، ولم يكن من طبيعة بلاده أن تحرك من فكره أو توسع من خياله، فنشأ ونشأت أفكاره صورة صحيحة من البيئة التي كان يعيش فيها، ولم يعرف من العلوم والفلسفة إلا ما أوحت إليه نفسه وما دفعته الضرورة لمعرفته ، ولم يتعلم من الفنون إلا جمال القول، وقد توارث ذلك عن آبائه وأجداده، وتعود هذا النوع من العيش. ومرت الأزمان والأيام وهو كذلك، فلم يكن له من الفرصة ما يمكنه من تغيير حاله، أو ما يدفعه إلى التقدم، أو ما يغير إدراكه وتصوره للحياة والاجتماع، ولبث على هذه الحال دهرا طويلا. ولما جاء الإسلام وانتشر واختلط العرب بغيرهم، أخذوا عنهم النظامات وسنوا الشرائع والقوانين، واكتسبوا من الدين وتعاليمه ما غير حالتهم الاجتماعية والسياسية، واستفادوا من القرآن الحكيم فائدة عظيمة، ونظموا الحكومات وأسسوا الممالك والجيوش وغير ذلك.
ولما احتك الأمويون بالروم ومدنيتهم، أخذوا عنهم كثيرا من أبهة الملك ونظام الحكومة، وكان لمعاوية بن أبي سفيان الجند والحشم، وتناسى العرب خشونة البدو، واعتادوا الرفاهية والحضارة. كذلك كان الأمر في الدولة العباسية؛ فقد اكتسب العرب مدنية الفرس، وغيروا كثيرا من عاداتهم وأخلاقهم، وأنواع الفهم والإدراك ونظام العيش والحكومة والاجتماع، وتهيأت عقولهم وأفكارهم لقبول فلسفة اليونان ومدنيتهم العقلية والمادية، وظهر فيهم العلماء والفلاسفة والمؤرخون، مما لم يكن له أثر قبل في عربيتهم العرباء، وارتقت معارفهم وزادت معلوماتهم، ووسعت إدراكاتهم كل ما طرأ عليهم من الخارج، وبالجملة تغيرت خواص جنسيتهم العامة، وأشبه استعدادهم استعداد الأمم الأخرى، ولم يمنعهم جنسهم من الاندماج في غيرهم والأخذ عنهم، ومشابهتهم بعض الشبه لهم، ولولا الدين وسلطانه وغلبته على نفوس المسلمين لاندمجوا اندماجا كليا في غيرهم، ولتغيرت عقائدهم وحالتهم الاجتماعية تغيرا تاما. وعرب الأندلس كانوا غير عرب أفريقية، وهؤلاء كانوا غير سكان نجد والحجاز. على أنهم كلهم من جنس واحد وأصل واحد.
من أجل ذلك لا يصح النظر إلى مسألة الجنس والأخذ بها على إطلاقها؛ لأن المؤثر الأصلي في تكوين الجنس هو البيئة؛ إذ الجنس أو الأصل الواحد معناه أن جماعة سكنوا مكانا واحدا أو منطقة واحدة، تشابهوا في كثير من العادات والأخلاق العامة وطرق الفهم والإدراك، مما كونته البيئة في أخلاقهم واستعداداتهم على شكل خاص، وجاءهم هذا التكوين بمرور الأزمان واختلاف الأحقاب، فاندمجوا في البيئة التي تربوا فيها. فإن عوارض ومميزات الجنس الأسود مثلا تحتاج إلى مئات من السنين لتتكون هذا التكوين الخاص الذي هو من طبيعة الأقاليم، ثم يتوارث بعض الأفراد عن بعض ذلك حتى تصبح هذه الأوصاف صفة لازمة للسكان.
هذا هو الأصل في مسألة الجنس، ونحن نرى أن الإنسان يمكنه أن يعيش في اجتماع غير اجتماعه الأصلي، فتختلف إدراكاته ومواهبه؛ لأن الإنسان حيوان مقلد أكثر منه ناطقا؛ وعلى ذلك يجب أن تكون البيئة سابقة للجنس لا العكس؛ إذ لأجل أن يتكون الجنس بأوصافه لا بد من أن يبقى الإنسان في بيئة خاصة مدة طويلة ليتشكل بشكلها، وليس الغرض من البيئة البيئة الجغرافية فقط، بل ذلك يشمل البيئة الاجتماعية أيضا، فإن أثر الاجتماع في الأفكار لا يقل عن أثر الأقاليم فيها؛ إذ القسيس أو المتدين الذي تربى في بيئة تربية دينية هو غير العالم الذي تربى في بيئة علمية، فلا يمكن قبول رأي تين على ظاهره من أن الجنس له أثر خاص بدون أن ننظر إلى أثر الأزمان والبيئات في ذلك.
لا شك في أن الآداب السامية غير الآداب الآرية، وأن العقول والأفكار عند الساميين غيرها عند الآريين. ولكن أليس معنى ذلك أن تصور السامي وتربيته وتعليمه غيرها عند الآري؟ وهل ذلك غير أثر البيئة وتأثير الإقليم؟ فإذا كان الشعر العربي غير الشعر اليوناني مثلا؛ فذلك لأن حياة العربي حملته على هذا النوع من الخيال. وربما كانت هناك أسباب تاريخية واجتماعية جعلته لا يتصور ولا يفهم إلا على هذا النحو. وربما لم يكن العربي في حاجة إلى أنواع الحكومات المنتظمة والقوانين المسنونة؛ لأنه كان يعيش عيشة ابن السبيل، ولو كان ذلك ضروريا لحفظ حياته ونظامها، لحملته الضرورة على الفكر والاستنباط والابتكار لمثل هذه الأشياء.
وسواء أصح مذهب تين أم لم يصح في أثر الجنس في الأمم، فمما لا نزاع فيه أننا نجد اختلافات ظاهرة في الأمم المختلفة من حيث العلوم والمعارف، ومن حيث التصور والإدراك. وهذا كله يظهر في آداب الأمم وبلاغاتها؛ لأن الأدب تابع لكل هذه المؤثرات، فهو يتغير بتغيرها ويتشكل بأشكالها؛ لأنه صورة عامة من صور الأمم وحياتها، وذلك كله تابع لاختلاف الفطر وأسبابها في الإنسان.
مذهب التدرج والانتقال في أنواع البلاغة
فرديناند برونتيير هو صاحب هذا المذهب،
1
ويجدر بنا أن نجمل آراءه ومذهبه فيما يأتي:
Bilinmeyen sayfa