Arap Belağatını İncelemeye Giriş
مقدمة لدراسة بلاغة العرب
Türler
ومن أسباب عدم وجود الشعر القصصي عند العرب عدم نظر العربي في الاجتماع نظرة عامة؛ لأن العربي كان يهتم بنفسه وبفوائده الشخصية، ومن هنا جاءت مسألة العصبية، والغرض منها حماية الشخص ضمن قبيلته، وحالته المعيشية تجبره على ذلك، وعيشته البدوية وما فيها من القتال والنزاع سيرت أفكاره في طريق خاص.
والشعر القصصي النفسي يحتاج إلى شيء من التعمل والكلفة، ودقة النظر والفكر، وشيء من المعاني الفلسفية الاجتماعية؛ لأنه يستلزم إظهار البلاغة في معنى فلسفي، بمثل ذلك يمكن أن يفيد الشعر؛ لأنه يصور النفوس تصويرا تاما، ويصور الحياة صورة حقيقية أو قريبة من الحقيقة، وهذا ما قصده العرب من وضع الحكم والأمثال في البيت والبيتين من الشعر. ولكن ذلك لا يفيد الفائدة التي في القصص، وقد أصبح من اللازم الآن أن يضم الكاتب أو الشاعر على كلامه وأفكاره صفة الأشخاص الجسمية أبطال قصصه؛ ليجسم المعنى في نفس القارئ أو السامع، ولتكون أقرب إلى الحقيقة وأدعى إلى العظة.
كل هذا يحتاج إلى الروية والفكر، والعربي لا يعرف الروية في القول ، ولم يتعود كد القريحة، كما قال أبو عثمان الجاحظ: وكل شيء للعرب إنما هو بديهة وارتجال، وكأنه إلهام، وليست هناك معاناة ولا مكابدة، ولا إجالة فكر ولا استعانة، وإنما هو أن يصرف همه إلى الكلام، وإلى رجز يوم الخصام، أو حين أن يمتح على رأس بئر، أو يحدو ببعير، أو عند المقارعة والمناضلة، أو عند صراع أو في حرب، فما هو إلا أن يصرف وهمه إلى جملة المذهب، وإلى العمود الذي إليه يقصد؛ فتأتيه المعاني أرسالا، وتنثال عليه الألفاظ انثيالا، ثم لا يعيده على نفسه، ولا يدرسه أحدا من ولده.
وكانوا أميين لا يكتبون، ومطبوعين لا يتكلفون، وكان الكلام الجيد عندهم أظهر وأكثر، وهم عليه أقدر وأقهر، وكل واحد في نفسه أنطق، ومكانه من البيان أرفع، وخطباؤهم أوجز، والكلام عليهم أسهل، وهو عليهم أيسر من أن يفتقروا إلى تحفظ، ويحتاجوا إلى تدارس، وليس هم كمن حفظ علم غيره، واحتذى على كلام من كان قبله؛ فلم يحفظوا إلا ما علق بقلوبهم والتحم بصدورهم واتصل بعقولهم، من غير تكلف ولا قصد ولا تحفظ ولا طلب.
10
هذه هي حقيقة البلاغة عند العرب وجماع القول فيها،
11
وهذا يخالف طريقة الشعر القصصي المعروفة الآن، التي اتخذها الأدباء والكتاب والشعراء قاعدة لهم، بل إن الشعر القصصي المصطلح عليه الآن المسمى عندهم «أبيك» - وهو ما نسميه نحن بالشعر الحماسي - خاص بالحروب وسير الشجعان، وما يلاقونه في حياتهم من الأسفار والحوادث، كما في قصة «الأودسى» لهومروس، وكما في «أنشودة رولند» الفرنسية، التي فيها وصف حرب من حروب شالمان.
والشعر القصصي من لوازمه تسلسل المعنى لاتصال الأبيات بعضها ببعض، وذلك يخالف أصول الشعر العربي وصناعته، قال ابن خلدون في باب صناعة الشعر: «وينفرد كل بيت منه بإفادته في تراكيبه؛ حتى كأنه كلام مستقل عما قبله وما بعده، وإذا أفرد كان تاما في بابه في مدح أو تشبيب أو رثاء، فيحرص الشاعر على إعطاء ذلك البيت ما يستقل في إفادته، ثم يستأنف في البيت الآخر كلاما آخر كذلك، ويستطرد للخروج من فن إلى فن، ومن مقصود إلى مقصود.»
وجملة القول أن الشعر العربي ميزته الأولى أنه شعر وجداني، يمثل العواطف والإحساسات الشخصية، وأنه احتوى في جملته على أنواع كثيرة، وأن هذه الروح الشعرية الفطرية هي سبب ما فيه من المتانة وخفة الروح، وموافقته لكثير من الطبائع؛ فإن أكبر مظاهر البلاغة العربية الأولى هو الشعر، وأكبر منابع الشعر الفطرة والوجدان والخيال والحياة العامة. فالشعر القديم وجداني فطري في أصله ومأخذه، اجتماعي في صورته وشكله؛ لأن به كثيرا من أثر الاجتماع العربي. ولكن الشعر القصصي والشعر التمثيلي بالمعنى المعروف الآن عند الأدباء في بلاغات الأمم الأخرى لا وجود له عند العرب.
Bilinmeyen sayfa