وهو متحير! وهذا القاضي وهو متفكر! وهذا حاجبه وهو ذاهل! وكلهم عن الأمر الذي دهم مشدوه، وهو منه متعجب! ... وقد قضى الملك مأربته، وأدرك حاجته، وأصاب طلبته، وبلغ غايته، وأنفذ رأيه، ونال أربه، كذلك ينظر هذا المنجم إلى زحل والمشتري والمريخ والشمس والزهرة وعطارد والقمر، وإلى البروج وطبائعها، والرأس ولا ذنب وتقاطعهما، والهيلاج والكد خذاة، وإلى جميع ما دانى هذا وقاربه، وكان له فيه نتيجة وثمرة، فيحسب ويمزج، ويرسم ويقلب. عند أشياء كثيرة من سائر الكواكب التي لها حركات بطية، وآثار مطوية، فينبعث بما أغفله وأهمله وأضرب عنه ولم يتسع له، ما يملك عليه حسه وعقله وفكره ورويته، حتى لا يدري من حيث أتى، ولا من أين دهى، وكيف امتزج عليه الأمر، وانسد دونه الطلب، وفاته المطلوب، وعزب عنه الرأي؟! هذا ولا خطأ في الحساب، ولا تقصير في الحق، وهذا كي يلاذ بالله عز وحل في الأمور ويعلم أنه مالك الدهور، ومدبر الخلائق، وصاحب الدواعي والعوائق، والعالم على كل نفس، والخاطر عند كل نفسس؛ وأنه إذا شاء نفع، وإذا شاء ضر، وإذا شاء أسقم، وإذا شاء شفى وإذا شاء أغنى، وإذا شاء أفقر، وإذا شاء أحيا، وإذا شاء أمات؛ وأنه كاشف الكربة، والمؤنس في الغربة، وأنه المجلي الغمة، وصارف الأزمة، ليس فوق يده يد، وهو الأحد الصمد، على الأبد والسرمد.
وكنت سمعت الحراني الصوفي يقول قديمًا بمكة وكان شام شيئًا من الحكمة، وعرف ذروًا من حديث الأوائل فقال: هذه الأمور وإن كانت منوطة بهذه العلويات، مربوطة بالفلكيات، عنها تحدث، ومن جهتها تنبعث، فإن في عرضها ما لا يستحق أن ينسب إلى شيء منها إلا على وجه التقريب. قال: ومثال ذلك، ملك له سلطان واسع، ونعمة جمة،
1 / 132