إهداء
إلى الشهداء الأبرار الذين سجّلوا بدمائهم الزكية أروع ملاحم البطولة والفداء، وسطّروا المجد والخلود للأمّة الاسلامية، وأرغموا بالهوان أنوف أسياد الكفر وأشياع الضلال والعملاء.
إلى الأبطال المرابطين فى خنادق الجهاد في إيران وكلّ البلاد الاسلامية:
إلى رائد الأمة الإسلامية وقائد مسيرتها المظفرة وقلبها النابض الإمام الخميني.
إليكم جميعا أهدي هذا السفر القيّم الحافل بجهود قرن ونصف من المسيرة الثقافية الاسلاميّة الشامخة في إيران على أمل المضيّ قدما لتحقيق أهداف الاسلام في إنقاذ البشريّة من ظلمات الجهل وذلّ الاستعباد إلى نور الاسلام وعزّ طاعة الله.
المقدمة / 1
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير محمد بن عبد الله وعلى آله الهداة وصحبه الأبرار.
وبعد فان تاريخ أمّتنا الاسلاميّة زاخر بأعمق الحركات الفكرية والثقافية التي شهدتها البشريّة طيلة تاريخها، بحيث لا تجد بقعة من بلاد المسلمين إلّا وللثورة الثقافيّة فيها دور ونصيب، وذلك بالطبع قبل سدّ باب الاجتهاد وتحجير الطاقات الفكريّة من قبل الأنظمة الفاسدة التى كانت تخاف على عروشها من يقظة الشعوب وحريّتها الفكريّة.
وهذا الكتاب الذي هو جزء من تراثنا العظيم يعود إلى فترة عاشت الأمّة أزهى عصورها وأكثرها عطاء ونماء، ويعكس لنا الجهود الجبّارة التى بذلها أسلافنا فى سبيل فهم الاسلام ونشره.
وبما أن التاريخ يتألف من حلقات ترتبط بعضها ببعض كان لا بدّ لنا ونحن نتصفّح إنجازات هذه الفترة بالذات أن نستعرض بصورة سريعة الحلقات المتقدّمة والمتأخّرة عنها من تاريخ إيران علّنا نتمكن من تقديم نظرة عامّة لسير التحولات الثقافيّة والحضارية فى المنطقة وتقييم هذه الفترة التى يبحث عنها هذا الكتاب ودورها فى التطورات الاجتماعيّة اللاحقة.
إيران من ظلمات الجاهليّة إلى نور الإسلام:
عاشت الشعوب الايرانيّة قبل الاسلام حالة من الجهل والظلم والحرمان
المقدمة / 3
حتّى من أبسط الحقوق والمزايا الاجتماعيّة، وكان العلم محظورا وحكرا على العائلة المالكة، فلا مدارس ولا علماء ولا مؤسسات ثقافية أو تربويّة، ولا مجال لأيّة نشاطات سياسيّة أو علميّة، بل كانت الأمية والظلم الاجتماعي والطبقي يسود عامّة الشعب.
وحينما بزغ فجر الاسلام، وتحرّر الشعب من براثن الطاغوت الحاكم، استقبل هذا النور بحفاوة بالغة، تاركا خلفه ظلمات الجاهليّة وعناءها وقيودها، وكلّما مرّت به الأيام ازداد قناعة وتمسكا بهذه الرسالة الخالدة، ولم يمض قرن واحد حتى صار هذا الشعب المقدام يحتلّ مركز الصدارة في الدولة الاسلامية الكبرى ويلعب دورا رئيسيّا فى الأمور وخاصة الفكرية والعلميّة منها رغم كل العراقيل الاجتماعية والسياسيّة التى كانت تحول دونه.
ومن الواضح أن اعتناق هذا الشعب للاسلام لم يتمّ دفعة واحدة ولا عن إكراه وإجبار، وإنّما بصورة تدريجية وفي خلال قرون عديدة وعن قناعته التامّة بهذا المنهج القويم وعلى اثر المقارنة بين ما كان يعيشه في العهد الساساني وغيره من ظلم واعتساف وبين ما لمسه من العدل الاسلامي وخاصّة فى عهد الإمام عليّ ﵇ حيث الخليفة قاطن فيما بينهم بتواضعه العظيم لا يفرّق بين أبيض وأسود ولا بين غنيّ وفقير ولا بين شعب واخر.
واستمرّ الشعب في التفاعل مع الفكر القرآني حتّى امن بضرورة تجسيده فى جميع المجالات وفي مقدّمتها المجال السياسي والقيادي وخاصّة بعد ما رأ الزيغ والزلل والأهواء يخيّم على القيادات المتشدّقة بالاسلام تلك الحكومات الوراثيّة والعنصرية المتخلّفة فكان منه أن ساهم فى ثورات عديدة ومتتالية أودت بأنظمة وجاءت بأخرى كان من أهمّها الاطاحة بالدولة الأموية.
بيد أن هذه الحركات والثورات كانت تستهدف الأنظمة والقائمين عليها دون أن تكون لها رؤية واضحة وأهداف محدّدة حول البديل وشكل النظام والقيادة الاسلامية الجديدة فكانت النتائج هي فى الغالب تبديل أنظمة بأخرى مثلها فى الظلم والانحراف.
المقدمة / 4
لكن الشعب المسلم في إيران واصل نضاله رغم تبدّد اماله وخيبته من الحكومات المتعاقبة والمتظاهرة بالاسلام، واندفع نحو المزيد من التفكير الجاد فى سبيل استكمال النواقص الفكرية المؤديّة إلى تلكم النكسات، والوصول إلى حقيقة التصور الاسلامي للحكم والحكّام والجماهير أو بالتعبير القرآني الامامة والأمّة.
وبسبب هذه المشاكل وغيرها من المازق الفكرية والاجتماعية التي وقع فيها اتّجه الشعب الايراني المسلم بعلمائه وحوزاته العلميّة شيئا فشيئا إلى اختيار المذهب الشيعي مذهب أهل البيت كمنهج ثابت للصورة الكاملة عن قضايا الامامة والأمّة، وبوصفه المجسد الحقيقي للفكر القرآني والخطّ الاسلامي الرسالي.
وجاء هذا التحوّل العظيم نتيجة لحركات وهزّات فكريّة عنيفة انطلقت من المدن المركزيّة وحوزاتها العلميّة وانتشرت لتشمل سائر المناطق والبلاد بشكل تدريجي وفي خلال خمسة قرون متوالية من الزمن وبحسب قوة ارتباطها وانشدادها بتلكم المدن والحوزات.
وإذا ما لاحظنا الخارطة فسنجد ذلك بوضوح، فالمدن الايرانية التي عاشت الحياة العلميّة وانخرطت فى سلك الحركة الثقافية أمثال نيسابور ومرو والري وطوس واصبهان وشيراز وجرجان وهمذان و… و… كل هذه المدن اشتركت في انبثاق هذا التحوّل الهام المنبعث في الواقع من الثورة الثقافيّة التى فجرّها الاسلام منذ البدء، ولم يشذ من هذا التحوّل إلا المناطق النائية عن المراكز الثقافيّة والعلمية.
هذا ما حدث في ايران وأما سائر بلاد الاسلام فلم تشهد تلكم الحركات والتطورات الفكرية الجبّارة ولم تساير هذا الركب في رحلته الشاقّة إلّا أشواطا يسيرة قضت عليه الأنظمة الزائفة فيما بعد بمختلف الوسائل والحيل، لذلك انفردت إيران فى مسيرتها المظفّرة واتخذت اتجاها معيّنا ومستقلا عن سائر البلاد من أواسط القرن الثاني وإلى يومنا هذا، كما لا يخفى على المتتبع
المقدمة / 5
للقضايا التاريخية.
ولا تزال الحركة العملية في إيران قائمة ونشطة تمدّ الأمة في كل اللحظات الحسّاسة بما يكفل لها المزيد من العزّ والتقدّم والرقي فى طريق فهم الفكر القرآني وتطبيقه، ولم تخضع هذه الحركة طيلة تاريخها المجيد لأيّ إشراف واستغلال حكوميّ بل استمرّت بالارادة الشعبيّة المستقلّة والحرّة.
وانفردت إيران أيضا وكما سبق بانفلاتها ممّا أصيبت به سائر البلاد الاسلاميّة من غلق باب الاجتهاد وتحجير العقول وتدمير الحركة الفكريّة التى أنهت تلكم العصور الذهبية الرائعة للأمة في سائر بلاد المسلمين وجرّت بالمصائب والويلات على المسلمين، بل واصل ركب الحضارة الاسلامية في إيران سيره بشموخ واعتزاز ملبّيا كلّ المتطلبات الاجتماعيّة وفي أحلك الظروف معتمدا على رصيد شعبي واسع فارضا نفسه على الأوضاع السياسيّة والاجتماعية بصورة عامّة.
ومع أن هذه النهضة المباركة لم تحقّق كامل أهدافها في المراحل والمجالات المختلفة إلا أن ما حصل نسبيّا فى هذه المنطقة بالذات كان فريدا وقياسيّا بالنسبة لما حصل فى سائر البلاد الاسلاميّة، إذ لم يكن بوسع تلك الظروف تحمل أكثر من هذا، ذلك ان الحكم الاسلامي المثالي التام لا يمكن تحقيقه إلّا مع التثقيف الجماهيري الشامل الذي كان فيما مضى من المستحيل تحقيقه لا لفترة أو أمة معينة فحسب بل فى كل الخقب الماضيّة ولكل الأمم.
الحركة العلمية وعصر الاستعمار:
وواصلت هذه النهضة الفكرية الاسلاميّة دورها الطليعي في المجتمع واستمرّت تؤتي أكلها كلّ حين وترشد الجماهير إلى مستقبلها الأفضل، حتّى جاء الاستعمار الغربي بجبروته ومكره محاولا القضاء على هذه الحركة العظمى التى تستمدّ جذورها من عمق الفكر القرآني كي يتسنى له تنفيذ أطماعه الشريرة وماربه التوسعيّة، فكان الردّ عنيفا وحاسما حيث تصدّت هذه
المقدمة / 6
الحركة العريقة بحزم للمستعمرين الغزاة مجنّدة كافّة طاقاتها لطردهم ومضحيّة بخيرة أبنائها وزعمائها وشخصيّاتها شهداء فى هذا السبيل.
وكان الذين تصدّروا زعامة الحركة الفكرية فى المائة الأخيرة هم الذين وقفوا أمام هذه الهجمة الشرسة وذلك أمثال الميرزا حسن الشيرازي والسيد جمال الدين الأسدآبادي الشهير بالأفغاني والملّا محمد كاظم الخراساني قائد الثورة الدستورية والشيخ الشهيد فضل الله النوري والشهيد المقدام السيد حسن المدرس والميرزا محمد تقي الشيرازي الذي طرد الاستعمار البريطانى من العراق والسيد أبو القاسم الكاشاني المعروف بمواقفه الجرئية ضد المستعمرين وأخيرا زعيم الثورة الإسلاميّة في عصرنا وقائد مسيرتها المظفرة الإمام الخميني الذي قاد المعارك الحاسمة حتى انقشعت سحب الظلام وهرب عشرات الألوف من المستشارين الأجانب وتهاوى عرش فرعون وتوّجت الحركة المقدّسة بالنجاح والنصر المؤزر وولّى الشيطان هاربا من صرخات المظلومين وهتافات الله اكبر ملتجئا إلى سائر الفراعنة بمصر والمغرب و… و… ممّا جعلهم يتنبّهون بقرب نهايتهم نهاية عهد الظلم والظلام وبزوغ فجر الحرّيّة والنور والوعي الجماهيري، وها هم شياطين الشرق والغرب وأوليائهم فى المنطقة قد حشدوا كافّة طاقاتهم السياسيّة والاقتصاديّة والعسكريّة للنيل من هذه الثورة المقدّسة وهذا الفتح العظيم، وهيهات هيات أن ينتصر الظلام والباطل على النور والحق، يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ، هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ.
وهكذا نعرف أن هذه الثورة الاسلاميّة المباركة التى نعيش اليوم في رحابها ليست وليدة وقتها ونتيجة لحالة إستياء معيّنة سرعان ما تذوب وتضمحل- كما تروّج عنها أبواق الامبريالية- بل هي امتداد طبيعي لحركة اجتماعيّة وتاريخيّة كبرى انبثقت مع ظهور الدين الاسلامي الحنيف منذ البدء ونضجت عبر القرون والأعصار حتى أفرزت عطائها السامي في عصرنا متمثّلة
المقدمة / 7
بهذه الثورة المباركة وصدق الله حيث قال: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ. يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ. وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ).
وستواصل باذن الله مسيرتها حتّى بلوغ كامل أهدافها المقدّسة حينما يملأ الله الأرض قسطا وعدلا (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ. وَنُمَكِّنَ لَهُمْ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ)
وهذا الاستعراض الوجيز والمقتضب عن سير الحركة الفكرية الاسلاميّة في إيران يكشف لنامدى أهميّة نشر هذه الوثائق التراثية، وعلى هذا الأساس أقدمت مؤسسة النشر التابعة لجامعة المدرسين (^١) فى الحوزة العلمية بمدينة قم المقدّسة بنشر هذا السفر القيّم بوصفه أحد تلكم الحلقات التاريخية المفقودة للحركة الفكريّة، والمأمول أن تتلوه سائر الكتب التراثيّة بالخروج إلى النور والله الهادي إلى سواء السبيل.
نيسابور
قال عنها ياقوت الحموي المتوفى سنة ٦٢٦ في معجمه:
(مدينة عظيمة، ذات فضائل جسمية، معدن الفضلاء، ومنبع العلماء، لم أر فيما طوّفت من البلاد مدينة كانت مثلها، وهي كثيرة الخيرات.
فتحها المسلمون في أيام عثمان صلحا.
وأصابها الغزّ (^٢) في سنة ٥٤٨ بمصيبة عظيمة، وخرّبوها وأحرقوها. ثمّ تقلّبت بها أحوال حتى عادت أعمر بلاد الله وأحسنها وأكثرها خيرا وأهلا وأموالا لأنها دهليز المشرق.
وبقيت على ذلك إلى هجوم التتر سنة ٦١٨ هـ حيث تمكّن التتر برئاسة
_________
(^١) جامعة المدرّسين هي لجنة تضمّ الكثير من أساتذة وعلماء الحوزة العلمية.
(^٢) الغز قبائل كانت تعيش فى أواسط اسيا ببلاد ما وراء النهر بتركستان.
المقدمة / 8
جنكيز خان من اقتحامها بعد جهد جهيد ودخلوا إليها دخول حنق يطلب النفس والمال، فقتلوا كلّ من فيها من كبير وصغير ثم خرّبوها حتّى ألحقوها بالأرض فانا لله وانا إليه راجعون من مصيبة ما دهى الاسلام قطّ مثلها.
وقد خرج منها من أئمة العلم من لا يحصى).
وقال عنها السمعاني المتوفّى سنة ٥٦٢:
(أحسن مدن خراسان وأجمعها للخيرات والمشهور بها لا يحصون).
وتقع بالقرب من مدينة مشهد عاصمة خراسان الحاليّة، واشتهرت بنشاطها العلمي من أواسط القرن الثاني للهجرة واستمرت حتّى حملة التتر أي حوالي خمسة قرون من الزمن قدّمت خلالها الآلاف من العلماء والمثقفين للأمة الاسلاميّة، وبما أن الإمام علي بن موسى الرضا ثامن أئمة الشيعة دفن على مقربة منها بطوس فقد فقدت نيسابور مركزيّتها العلميّة شيئا فشيئا وانتقلت إلى مشهد الرضا وحتّى يومنا هذا بنفس النسبة التى كان يتم فيها التحوّل في داخل المجتمع الايراني من المذهب السنّي إلى مذهب أهل البيت.
وحسب ما تعرّفنا على نيسابور من زوايا هذا الكتاب وخباياه فانها لم تزل حوالي القرن الخامس والسادس محتفظة بدورها الشامخ في الحركة العلمية ومحتوية على أكثر من عشرين مدرسة علمية وغيرها من عشرات المساجد ومراكز الصوفية والمكاتب.
ولقد تعرّضت هذه المدينة من سنة ٤٠٠ إلى سنة ٥٤٧ أي الفترة المرتبطة بهذا الكتاب تقريبا وقبيل فتنة الغز الكبرى إلى بعض الهزّات الاجتماعية والسياسية غير أنها لم تستطع من تعكير صفوها الدراسي ولم تدم طويلا، وتمثلت هذه المشاكل بالفتن التركمانية التى حدثت فى بداية الربع الثاني من القرن الخامس واستمرت مدّة من الزمن، وكبعض الفتن الطائفية والتعصّبات المقيتة بين الشافعية والحنفيّة أو بين السنّة والشيعة، وكبعض مضايقات الحكام وتعسّفاتهم.
المقدمة / 9
وكان غالبيّة سكانها انذاك منتمين إلى المذهب الشافعي وإلى جنبها أقليّة حنفيّة وشيعيّة، كما لعبت الصوفيّة دورا بارزا فى المجال الاجتماعي والثقافي.
وهذه الفترة تعتبر من أزهى عصور الحركة الفكرية بنيسابور وأكثرها ازدهارا بالعلم والعلماء ممّا دفع الكثير من سائر البلاد الاسلاميّة للانتهال من منا هلها الرويّة العذبة والدراسة فيها.
وأمّا اندفاع أهلها إلى المراكز العلميّة فكانت منقطعة النظير درجة أن الآباء حرصا منهم على الاحتفاظ بالرسالة الاسلامية والسنة النبوية ونشرها، كانوا يبكرون بأطفالهم ويحملونهم على أكتافهم إلى مراكز التعليم والتربية والحديث وهم صغار لم يبلغوا السادسة من أعمارهم، وكانوا يطعموهم الحلوى أثناء الدرس كي لا يغلب عليهم الضجر والسأم، وكثيرا ما يتحسر المؤلّف ويعتذر قائلا: فاتني سماع الحديث من هذه الشخصية أو تلك لغيبة الوالد عنّي. وذلك أن أباه- شأنه شأن الكثير من الآباء انذاك- كان يحمله على كتفه وهو صغير لاستماع الحديث من المشايخ والعلماء كي ينقل فيما بعد هذه الأحاديث بوسائط أقل إلى الاجيال الآتية.
تاريخ الحاكم:
وحفظا لهذا التيار العظيم من الضياع بادر الكثير إلى تدوينها فكان من أهم هذه المحاولات وأكثرها نجاحا وشمولا ما حقّقه الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله البيّع النيسابوري المتوفّى سنة ٤٠٥ باسم تاريخ نيسابور فى عدّة مجلّدات ضخمة استعرض فيها تاريخ المنطقة من بداية العهدالاسلامي إلى عصره واستوعب بالذكر كافّة العلماء والشخصيات البارزة التي نشأت بها أو درست فيها ولو لفترة قصيرة من الزمن.
وهذا الكتاب القيّم كالكثير من كتبنا التراثيّة القيّمة لم يبق منه إلا فقرات يسيرة ومتناثرة فى ثنايا الكتب الأخرى والمؤلّفة من بعد الحاكم أمثال تاريخ بغداد والأنساب والوفيات وغيرها من الكتب. نعم بقي اليسير من ترجمته
المقدمة / 10
الفارسية والملخّصة بواسطة خليفة النيسابوري وقد طبع سنة ١٣٣٩ هـ ش بطهران في ١٦٢ صفحة بالقطع الوزيرى بتحقيق الدكتور بهمن كريمي.
السياق لتاريخ نيسابور:
ولم ينحسر المدّ العلمي بذهاب الحاكم النيسابوري بل استمر في التعاظم والعطاء إلى هجوم التتر فكان من الضروري تدوين هذه المرحلة المتأخرة من الحاكم وإلحاقها بتاريخه، فهبّ لهذا الأمر رجال لم يحققوا شيئا يذكر حتى تمكن أبو الحسن الفارسي من جمع هذه المحاولات الناقصة وإكمالها في مجلّدات ضخمة باسم السياق لتاريخ نيسابور صارت بالتالي المرجع الوحيد لهذه الفترة لكل من تأخّر عنه من المؤلّفين والكتّاب.
المنتخب من السياق:
والظاهر أن سعة حجم السياق وكثرة المواضيع غير اللازمة حالتا دون وصول هذا الكتاب إلينا ممّا دفع البعض من العلماء إلى تلخيصه تسهيلا للباحثين والعلماء من المراجعة والاستنساخ. ولدينا الآن تلخيصان للسياق أحدهما ما نصطلح عليه بالمختصر الأول وهو ناقص يبتدئ من حرف الحاء ممّن اسمه الحسن ولا يعرف الملخص وبما أنه مجهول الهوية فقد ظن البعض من المحققين أنه كتاب السياق نفسه خاصّة وأنه بالقياس إلى المنتخب فى كثير من التراجم أكثر تفصيلا لكن ومع المراجعة إلى طبقات السبكي فى الكثير من الفقرات المنقولة عن السياق مباشرة يتبين لنا أن السياق هو أكثر تفصيلا من هذا المختصر إضافة إلى أن في المنتخب نفسه كلمات وتراجم غير موجودة فى المختصر.
والآخر هذا الكتاب الذي بين يديك ويمتاز بأنه اختصار كامل لكتاب السياق، وان الذي قام باختصاره معروف الشخصية وانه حاو لعدد أكبر من التراجم بالاضافة إلى حسن ترتيبه.
ومع هذا فان التلخيص الأول يمتاز بأمور أخر تزيد من قيمته التراثية ولا يمكن الاستغناء عنها، فهو كتاب أدبي وروائي وتاريخي ورجالي ممّا
المقدمة / 11
يعطى للباحث صورة أكثر وضوحا عن الظروف الاجتماعيّة والحالات الشخصيّة للمترجم طبعا فى بعض التراجم بينما المنتخب كتاب رجاليّ بحت إلّا ما شذّ وندر من الأقوال والأشعار والروايات. وسيطبع المختصر الأول فى الحلقة القادمة إنشاء الله.
المؤلف:
الحافظ أبو الحسن الفارسي (^١) ثم النيسابوري.
قال الذهبي عنه:
الحافظ المفيد اللغوي الإمام كان من أعيان المحدّثين بصيرا باللغات، فصيحا بليغا عذب العبارة.
وقال ابن خلّكان فى الوفيات:
أبو الحسن الحافظ كان إماما في الحديث والعربيّة.
وسيوافينا المؤلف نفسه بترجمته مفصّلة في نهاية هذا الكتاب.
المنتخب
قال الذهبي:
الحافظ المتقن العالم تقي الدين أبو إسحاق إبراهيم الصريفيني (^٢) نزيل دمشق.
مولده سنة إحدى وثمانين وخمس مائة.
وعنى بالحديث ورحل فيه إلى خراسان واصبهان والشام والجزيرة، وصحب الحافظ عبد القادر الرهاوي وتخرّج به.
وسمع من المؤيّد الطوسي، وعبد المعزّ الهروي، وعليّ بن منصور الثقفي، وحنبل بن عبد الله الرصافي، وعمر بن طبرزد، وأبي اليمن الكندي، وأبي محمد بن الأخضر وطبقتهم. روى عنه الحافظ ضياء الدين المقدسي، وابن الحلوانية، وأبو المجد ابن العديم، والشيخ تاج الدين الفزاري وأخوه،
_________
(^١) نسبة إلى فارس إحدى بلاد إيران الهامة الواقعة في الجنوب والمطلّة على الخليج المنسوب إليها أيضا.
(^٢) نسبة إلى صريفين قرية كبيرة غنّاء شجراء قرب عكبراء وأوانا. معجم البلدان.
المقدمة / 12
والشيخ زين الدين الفارقي، وأبو علي ابن الخلال، والفخر ابن عساكر وآخرون.
قال الحافظ المنذري: كان ثقة حافظا صالحا له جموع حسنة لم يتمّها.
وقال الحافظ عزّ الدين ابن الحاجب: إمام ثبت صدوق واسع الرواية، سخيّ النفس مع القلّة، سافر الكثير وكتب وأفاد. وكان يرجع إلى فقه وورع، ولي مشيخة دار الحديث بمنبج ثمّ تركها، وسكن حلب فولّي مشيخة دار الحديث الشدادية. سألت الشيخ الضياء عنه فقال: إمام حافظ ثقة، حسن الصحبة، له معرفة بالفقه. قال ابن الحاجب: قرأ القرن على والده وعلى الشيخ عوض الصريفيني، وتفقّه على الشيخ عبد الله بن أحمد التواريخي، وقرأ الأدب على هبة الله بن عمر الدوري.
مات بدمشق في جمادى الأولى سنة إحدى وأربعين وست مائة.
وقال الحموي فى معجمه:
حافظ إمام سمع القاضي أبا القاسم عبد الصمد بن محمد الحرستاني، وبخراسان المؤيّد أبا المظفر السمعاني و… صنّف وأفاد واستفاد.
النسخة الخطيّة:
وهي الوحيدة التى اعتمدنا عليها فى التحقيق ومن حسن الحظ أنها بخطّ المنتخب نفسه فرغ منها سنة ٦٢٢ كما هو مكتوب في اخر الكتاب وتقع فى ١٤٦ ورقة و٢٥ سطرا وهي تحت الرقم ١١٥٢ من مكتبة الوزير أبي العباس أحمد بن محمد كوبريلى بتركيا.
وأمّا صحّة الانتساب فمفروغ عنه بعد ما شاهدنا المتأخرين عن المؤلف والمنتخب ينقلون بعين ما لدينا من عبارات الكتاب إضافة إلى الشواهد الحيّة الكثيرة الموجودة في الكتاب نفسه.
المترجمون:
فهم على ما سيذكره المؤلف في المقدّمة- المشايخ من علماء نيسابور وأئمتهم ورواة الحديث منهم الذين ولدوا بها ونشئوا فيما والذين قدموها و
المقدمة / 13
اجتازوا بها من الطارئين أو سكنوها وحدّ ثوابها، مرتّبا إياهم على طبقات ثلاث جعل اسناد أبي العباس الأصم معيارا لهذا الترتيب فالطبقة الأولى هم أصحاب الأصم وتبتدأ وفياتهم من حوالي بداية القرن الخامس وتمتدّ إلى نهاية الربع الأول منه، والطبقة الثانية هم أصحاب أصحاب الأصم وتمتدّ وفياتهم إلى حوالي سنة ٤٦٣ هـ وآخرهم أصحاب المخلدي والخفاف والطبقة الثالثة هم شيوخ المصنف ومعاصروه وتمتد وفياتهم إلى بعد وفاة المصنّف وحتّى فتنة الغز سنة ٥٤٨ وبعدها.
المصادر:
جمع المصنّف في تأليفه لهذا الكتاب بين معلوماته ومشاهداته وبين ما استفاده من مسودّات الآخرين ومذكّراتهم وكتبهم وأكثر عن الحاكم أبيالقاسم عبيد الله بن عبد الله بن أحمد الحسكاني المتوفى في نهاية القرن الخامس، وعن الحافظ أبي صالح أحمد بن عبد الملك بن علي المؤذن المتوفّي سنة ٤٧٠ هـ الذي قال عنه المصنف: وكان يحثّني على معرفة الحديث، ولم أتمكن من تحرير طرف من هذا الكتاب إلا من مسودّاته ومجموعاته فهي المرجوع إليها. وعن الحافظ أبي بكر محمد بن يحيى بن إبراهيم المزكي المتوفّى سنة ٤٧٤ هـ، وعن الحافظ الرّحال أبي سعيد مسعود بن ناصر السجزي الركّاب المتوفى سنة ٤٧٧ هـ، وعن أبي القاسم زاهر بن طاهر الشحامي المتوفي سنة ٥٣٣ وقد قال عنه المصنف: وهو الذي حملني على الشروع فى هذا المجموع وأعانني عليه بحيث كنت أطير بجناحه وأنطق عن لسانه.
أسلوب التحقيق:
اختلف الاسلوب بين حين وآخر بعض الاختلاف، وضاعت نسختنا من المختصر الأول فى المراحل الأولى من التحقيق حيث أفقدنا الاستفادة الكافية واللازمة منها إلّا بعد ما خضع هذا الكتاب للاشراف المطبعي ممّا دفعنا للاستفادة من سائر الكتب الموجودة والتى تعدّ بعد المختصر الأول
المقدمة / 14
من حيث الأهميّة والقيمة التحقيقية مثل الأنساب للسمعاني وكذلك التحبير وطبقات السبكي والعبر وتذكرة الحفّاظ وتاريخ بغداد وتاريخ جرجان والوفيات والفوات ولسان الميزان وغاية النهاية والمنتظم وغيرها ثمّ إن بعض الكتب المدرجة فى التعليقات لم أنقل منها مباشرة بل من سائر الكتب المحققة وقد أضفت تاريخ الولادة والوفاة فيما إذا لم يذكره المصنّف وأوضحت بعض الاسماء المذكورة بالكنية أو اللقب فقط وزدت في بعض التراجم زيادات مختلفة فى الحجم لانها كانت منقولة عن السياق في كتب أخرى وخاصة طبقات السبكي إتماما للفائدة والتنويه بالصورة الأوّليّة لكتاب السياق إلّا أن جميع هذه الزيادات المذكورة وضعتها بين معقوفين وقد تركت بعض الكلمات على حالتها من غموض وتشويش أوركاكة حفظا للأصل.
هذا ونأمل من الله التوفيق والسداد إنه الموفّق والمستعان.
رجب ١٤٠٣ - ارديبهشت ١٣٦٢
محمد كاظم محمودي
المقدمة / 15
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
رب يسّر وأعن
هذا منتخب من سياق تاريخ نيسابور.
قال الإمام أبو الحسن عبد الغافر بن اسماعيل بن عبد الغافر الفارسي:
أمّا بعد فقد أشار إليّ بعض الأعزّة من الإخوان، في طائفة من الأصحاب والخلّان، ممن وجب علىّ الإصغاء إلى إشارتهم، والإذعان لما يطلبونه في محاورتهم ومشاورتهم؛ أن أقصد إلى جمع كتاب يشتمل على ذكر المشايخ من علماء نيسابور وأئمتهم ورواة الحديث منهم، الذين ولدوا بها ونشئوا فيها، والذين قدموها واجتازوا بها، من الطارئين أو سكنوها وحدّثوا بها على رسم التاريخ، إقتفاء لما ذكره الحاكم الإمام أبو عبد الله محمد بن عبد الله البيّع:
[ابو عبد الله الحاكم البيّع]
وهو محمّد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نعيم بن الحكم أبو عبد الله الحافظ البيّع (^١) إمام أهل الحديث في عصره، والعارف به حق معرفته.
يقال له: الضبّى لأن جدّ جدّته عيسى بن عبد الرحمن بن سليمان الضبّى، وأم عيسى بن عبد الرحمن متويه (^٢) بنت إبراهيم بن طهمان الزاهد الفقيه، فلذلك يقال له: الطهمانى. وبيته بيت الصلاح والورع والتأذين (^٣).
_________
(^١) ذكره الذهبى فى تذكرة الحفاظ تحت الرقم ٩٦٢ والسمعاني ج ٢ ص ٤٠٠ والبداية والنهاية ١١/ ٣٥٥ وتاريخ بغداد ٣٠٢٤ وتبيين كذب المفتري ٢٢٧ والشذرات ٣/ ١٧٦ وطبقات القراء ٢/ ١٨٤ وطبقات ابن هداية الله ٤١، والعبر ٣/ ٩١، ولسان الميزان ٣/ ٨١ والمنتظم ٧/ ٢٧٤، وميزان الاعتدال ٣/ ٦٠٨ والنجوم الزاهرة ٤/ ٢٣٨، والوفيات ٦١٥ ومرآة الجنان.
(^٢) أو مثويه إلا ان فى تذكرة الحفاظ منويه.
(^٣) كذا في ترجمة الحاكم تحت الرقم: (٩٦٢) من تذكرة الحفاظ: ج ٣ ص ١٠٤٣، ولفظ الأصل هاهنا غير واضح.
1 / 5
ولد في شهر ربيع الأوّل سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة. ولقي أبا على (^١) الثقفى الإمام، وعبد الله بن محمد بن الحسن الشرقى، وأبا حامد بن بلال البزّار، ولم بسمع منهم شيئا.
وسمع من أبي طاهر المحمدآباذي وأبى بكر بن الخليل القطان ولم يظفر بمسموعه منهما.
روى عن ألف شيخ أو أكثر من أهل الحديث، وقرأ القرآن بخراسان والعراق على قرّاء وقته.
وتفقّه على الإمام أبى الوليد حسان بن محمد القرشي، والأستاد أبى سهل محمد بن سليمان الصعلوكي.
واختصّ بصحبة إمام وقته أبى بكر محمد بن إسحاق بن أيوب الصبغي، فكان في الخواص عنده والمرموقين، وكان يراجعه في السؤال عن الجرح والتعديل وعلل الحديث … (^٢) ويقدمه على أقرانه.
وأدى اختصاصه به واعتماده … (^٣) اليه في أمور مدرسته دار السّنة، وفوّض إليه تولية أوقافه، واستضاء برأيه في أموره اعتمادا على حسن ديانته ووفور أمانته.
وجرت له مذاكرات ومحاورات مع الحفاظ والأئمة من أهل الحديث مثل أبى بكر بن الجعابى بالعراق، وأبي على الحافظ الماسرجسي الذي كان أحفظ [أهل] زمانه.
وأخذ في التصنيف سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة، فاتفق له من التصانيف ما لعله يبلغ قريبا من ألف جزء، من تخريج الصحيحين والعلل والتراجم والأبواب والشيوخ.
رحل إلى العراق أوّلا سنة إحدى وأربعين وثلاثمائة، وإلى بلاد خراسان سنة ثلاث وأربعين. ولقى من مشايخ التّصوّف جماعة منهم أبو عمرو بن نجيد، وأبو الحسن البوسنجى، وأبو محمد جعفر بن نصير ببغداد، وأبو عمر والزجاجى بالحجاز.
ومضى إلى رحمة الله- ولم يخلّف في وقته مثله في صفر يوم الثلثاء منه سنة خمس وأربع مائة.
وآخر من روى عنه الحديث بنيسابور أبو بكر بن خلف الشيرازي.
_________
(^١) وفى تذكرة الحفاظ ابا عبد الله.
(^٢) و(^٣) - بياض فى الأصل.
1 / 6
١ - [ابن فورك]
محمد بن الحسن بن فورك [أبو بكر الاصبهانى] بلغ تصانيفه قريبا من المائة او اكثر دعى الى غزنة فسم في الطريق ومضى [الى رحمة الله] ونقل الى نيسابور ودفن بالحيرة.
سمع ببغداد والبصرة، ومن الديبلى بمكة، وسمع مسند أبى داود الطيالسي من عبد الله بن جعفر الاصبهاني وحدّث به [وتصدر للافادة بنيسابور].
وكانت وفاته في سنة ست واربع مائة، ولم يخلّف ابن، وبقيت له أعقاب من جهة البنات.
اخبرنا بالحديث عنه ابو القاسم القشيرى وابو بكر ابن خلف وابو صالح المؤذن.
_________
١ - الوفيات رقم ٦١٠ والعبر ٣/ ٩٥. ومرآة الجنان ٣/ ١٧ وإنباه الرواة ٣/ ١١٠ وتبيين كذب المفترى ٣٣٢ وشذرات الذهب ٣/ ١٨١ والنجوم الزاهرة ٤/ ٢٤٠ والوافى ٣/ ٢٤٤ وطبقات السبكى الكبرى ٣١٦. ولقد أطال الكلام فيه وبالغ فى المدح والثناء عليه واتهم الكراميّة بتدبير قتله بعد ما فشلت به السعاية عند السلطان محمود.
المتكلم الأصولي الأديب النحوي الواعظ الاصبهاني أقام بالعراق مدّة يدرس العلم، ثم توجه إلى الري فسعت به المبتدعة، فراسله أهل نيسابور، فبنى له بها مدرسة ودارا، وأحيا الله تعالى به أنواعا من العلوم، ولما استوطنها وظهرت بركاته على جماعة المتفقهة وبلغت تصانيفه قريب المائة دعي إلى غزنة وجرت له بها مناظرات كثيرة.
وكان شديد الرد على أصحاب أبى عبد الله ابن كرام.
ثم عاد إلى نيسابور فسمّ فى الطريق فمات ونقل إليها ودفن بالحيرة، ومشهده ظاهر يزار ويستسقى به وتجاب عنده الدعوة. ودخل عليه أبو على الدقاق عائدا فقال له: أترانى أخاف من الموت، إنما أخاف مما وراء الموت.
1 / 7
٢ - [أبو عمر البسطامى]
محمد بن الحسين بن محمد بن الهيثم بن القاسم بن مالك أبو عمر ابن أبى سعيد البسطامي القاضي الإمام البارع الواعظ. إمام اهل خراسان، ومقدم الشافعية في عصره، ومناظر وقته. قلّد قضاء نيسابور سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة.
سمع ببغداد من القطيعي، وبالأهواز والبصرة وشيراز وباصبهان من الطبراني.
حدّث عنه الحاكم وانتخب عليه.
توفّي سنة ثمان واربع مائة في شهر رمضان.
٣ - [أبو طاهر الزيادى]
محمد بن محمد بن محمش بن على [بن داود] بن أيوب أبو طاهر الإمام- ويعرف بالزيادي لأنّه كان يسكن ميدان زياد بن عبد الرحمن- إمام اصحاب الحديث بخراسان وفقيههم ومفتيهم بالاتفاق بلا مدافعة.
وكان له تبحر في علم الشروط والادب وصنّف كتابا في الشروط [وقد روى عنه الحاكم مع تقدمه].
ولد سنة ثلاثة عشرة وثلاثمائة ومات [فى شعبان] سنة عشر واربع مائة ودفن في مقبرة الحيرة.
_________
٢ - الانساب واللباب (بسطامى) وتاريخ بغداد ٢/ ٢٤٧ والعبر ٣/ ٩٩ ومرآة الجنان ٣/ ٢٢ وتبيين كذب المفترى وشذرات الذهب ٣/ ١٩٦، والمنتظم ٧/ ٢٨٥ والوافي ٣/ ٦.
٣ - تذكرة الحفاظ من ١٠٥١ والانساب والعبر ٣/ ١٠٣ والشذرات ٣/ ١٩٢ وطبقات العبادى ١٠١، والوافي ١/ ٢٧١.
وفى المصادر جلّها ولد سنة ٣١٧.
قيل: وإنماسى بالزيادى نسبة إلى بعض أجداده.
1 / 8
٤ - [أبو عبد الرحمن السلمى]
محمد بن الحسين بن موسى، الازدى ابا، السلمي جدا، لأنّه ابن بنت أبى عمرو اسماعيل بن نجيد بن أحمد بن يوسف السلمي، أبو عبد الرحمن شيخ الطريقة في وقته، الموفق في جمع علوم الحقائق ومعرفة طريق التصوّف، وصاحب التصانيف المشهورة في علوم القوم.
وقد ورث التصوّف عن أبيه وجدّه، وجمع من الكتب ما لم يسبق الى ترتيبه في غيره حتى بلغ فهرست تصانيفه المائة أو اكثر.
حدّث اكثر من اربعين سنة إملاء وقراءة.
وكتب الحديث بنيسابور ومرو والعراق والحجاز، وانتخب عليه الحفاظ الكبار.
وولد سنة ثلاثين وثلاثمائة في شهر رمضان، وتوفّي في رجب أو شعبان سنة ثنتي عشرة وأربع مائة.
٥ - [أبو بكر النسوى]
محمّد بن زهير بن أخطل النسوى الإمام أبو بكر الفقيه الخطيب المقرى، مقدم أصحاب الشافعي ومفتيهم بنسا، وكان إمام الجامع ومحدث بلده، واليه كانت الرحلة في سماع الحديث، وكان أبوه خادم الفقراء وشيخ الصوفية بها فكان
_________
٤ - لسان الميزان ٤٦٦ وتذكرة الحفاظ ص ١٠٤٦ وتاريخ بغداد ٧١٧ ومرآة الجنان والعبر وفيات سنة ٤١٢ وطبقات السبكى ٣٢٠ والبداية والنهاية ١٢/ ١٢ وشذرات الذهب ٣/ ١٩٦ والانساب واللباب، والمنتظم ٨/ ٦ وميزان الاعتدال ٣/ ٥٢٣ والنجوم الزاهرة ٤/ ٢٥٦ والوافي ٢/ ٣٨٠.
وفى بعض المصادر محمد بن الحسين بن محمد، وفى بعضها أيضا أنه توفي يوم الأحد الثالث من شعبان.
٥ - الوافي ٣/ ٧٨ وطبقات السبكى الكبرى ٣٢٣ والوسطى والعبر ٣/ ١٢٩ وتذكرة الحفاظ ص ١٠٤٨.
1 / 9
هو عالما بطريقتهم.
راى أبا الحسن البوسنجي بنيسابور، ورحل في طلب الحديث وتفقه ببغداد.
سمع عن الأصم، وابى الوليد، وابى الحسن الكارزى، وأبى بكر الشافعي، وابن الصواف وطبقتهم وحدّث سنين.
ومات ليلة الفطر سنة ثمان عشرة واربع مائة ودفن في مقابر مشايخ نسا فوق دويرة الصوفية.
٦ - [أبو بكر الجوهرى]
محمد بن علي بن محمد بن حيد بن عبد الجبارين النضر بن مسافر الجوهري الغازي الصيرفي أبو بكر شيخ عدل ثقة، من محلة الرمجار، واليهم ينسب خطّتهم قصر حيد.
وكان مولده سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة، وتوفي سنة ثماني عشرة وأربع مائة.
حدث عن الأصم وابى عمرو ابن نجيد.
٧ - [أبو الفضل المحمى]
محمد بن عبيد الله بن أحمد بن محمد بن عبيد الله بن النضر الرئيس أبو الفضل المحمي بن أبي منصور بن أبي الحسن، المقدّم المشهور المحتشم، واسطة عقد المحمية، صاحب لآثار الحسنة، والمجالس العليّة، الحسن السيرة في الرعية، سمع بنيسابور والعراق، وخرّج له الفوائد ابو عمرو البحيري الحافظ، ولم يكثر الرواية إذ أدركته المنيّة كهلا.
توفي في جمادى الآخرة سنة تسع وتسعين وثلاثمائة.
1 / 10