وكذلك يستحمقك أهل البصائر في توقفك! فإن قلت: فيم أعرف شفقة النبي ﷺ ومعرفته بهذا الطب؟ فأقول: وبم عرفت شفقة أبيك وليس ذلك أمرًا محسوسًا؟ بل عرفتها بقرائن أحواله وشواهد أعماله في مصادره وموارده علمًا ضروريًا لا تتمارى فيه.
ومن نظر في أقوال الرسول ﷺ، وما ورد من الأخبار في اهتمامه بإرشاد الخلق، وتلطفه في جر الناس بأنواع الرفق واللين واللطف، إلى تحسين الأخلاق وإصلاح ذات البين، وبالجملة إلى ما يصلح به دينهم ودنياهم حصل له علم ضروري، بأن شفقته ﷺ على أمته أعظم من شفقة الوالد على ولده. وإذا نظر إلى عجائب ما ظهر عليه من الأفعال، وإلى عجائب الغيب الذي أخبر عنه القرآن على لسانه، وفي الأخبار وإلى ما ذكره في آخر الزمان، فظهر ذلك كما ذكره، علم علمًا ضروريًا أنه بلغ الطور الذي وراء العقل، وانفتحت له العين التي ينكشف منها الغيب الذي لا يدركه إلا الخواص، والأمور التي لا يدركها العقل. فهذا هو منهاج تحصيل العلم الضروري بتصديق النبي ﷺ.