زماننا قد ارتكبوا محرما فيسقط بذلك الاحتجاج بخبر من يرتكب المحرم دائما، وهم نقلة الشريعة فيسقط ما نقلوه فيفسد على قول هؤلاء نظام الإسلام والعياذ بالله تعالى من ذلك قال: ويلزم أيضا أن الذي قرءوا بالشواذ لم يصلوا قط لأن الواجب لا يتأدى بفعل المحرم قال: وقد كان قاضي القضاة أبو الفتح محمد بن علي -يعني ابن دقيق العيد. يستشكل هذه المسألة، ويستصعب الكلام فيها، وكان يقول؛ هذه الشواذ نقلت نقل آحاد عن رسول الله ﷺ فيعلم ضرورة أن رسول الله ﷺ قرأ بشاذ منها، وإن لم يعين كما أن حاتما نقلت عنه أخبار في الجود كلها آحاد ولكن حصل من مجموعها الحكم بسخائه وإن لم يتعين ما تسخى به، وإذا كان كذلك فقد تواترت قراءة رسول الله ﷺ بالشاذ، وإن لم يتعين بالشخص فكيف يسمى شاذًا والشاذ لا يكون متواترًا؟
قلت: فهذه ونحوها مباحث لا طائل تحتها إذ القول في القراءات الشاذة كالقول في الأحاديث الضعيفة المنقولة في كتب الأئمة، وغيرهم يعلم في الجملة أن النبي ﷺ قال شيئا منها، وإن لم نعرف عينه، فلا يقال لها ضعيفة على ما بحثناه، وأيضا فنحن نقطع بأن كثيرا من الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يقرءون بما خالف رسم المصحف العثماني قبل الإجماع عليه من زيادة كلمة وأكثر وإبدال أخرى بأخرى ونقص بعض الكلمات كما ثبت في الصحيحين وغيرهما ونحن اليوم نمنع من يقرأ بها في الصلاة وغيرها منع تحريم لا منع كراهة، ولا إشكال في ذلك، ومن نظر أقوال الأولين علم حقيقة الأمر وذلك أن المصاحف العثمانية لم تكن محتوية على جميع الأحرف السبعة التي أبيحت بها قراءة القرآن كما قال جماعة من أهل الكلام وغيرهم بناء منهم على أنه لا يجوز على الأمة أن تهمل نقل شيء من الأحرف السبعة، وعلى قول هؤلاء لا يجيء ما استشكله ابن دقيق العيد، وبحثه أبو حيان وغيرهما لأننا إذا قلنا إن المصاحف العثمانية محتوية على جميع الأحرف السبعة التي أنزلها الله تعالى كان ما خالف الرسم يقطع بأنه ليس من الأحرف السبعة، وهذا قول محظور لأن كثيرا مما خالف الرسم قد صح عن الصحابة ﵃، وعن النبي ﷺ.
والحق ما تحرر من كلام الإمام محمد بن جرير الطبري وأبي عمر بن عبد البر وأبي العباس المهدوي ومكي بن أبي طالب القيسي وأبي القاسم الشاطبي وابن يتمية وغيرهم، وذلك أن المصاحف التي كتبت في زمن أبي بكر ﵁ كانت محتوية على جميع الأحرف السبعة، فلما كثر الاختلاف، وكاد المسلمون يكفر بعضهم بعضا
1 / 22