إن هذا لا يوجد إلا في لبنان؛ ولكي ينجح لبنان دوليا عليه أن يجعل الدولة علمانية، ويكف أيدي رجال الدين من كل ملة، ويراقب أعمالهم حتى إذا أبدوا نشاطا غير مشروع أوقفهم عند حدهم؛ ليعطوا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله، فلا يتوسلوا بمنابرهم ومناسكهم التي أعدت لكلام الله ليتطرقوا إلى السياسة.
كانت الكلمة لهم يوم كان الشعب قاصرا، أما اليوم فصار بالغا رشيدا.
إن هذه الطائفية من الطرفين هي عقبة في كل سبيل، وما أشبه دولتنا اللبنانية بأب له أبناء عيونهم عشرة عشرة على الحصص التي يوزعها عليهم أبوهم، وكل واحد يرى أن أباه أجنف عليه، وأن أخاه أو إخوته نالوا أكثر منه.
أما مسألة سقوط ألوف الشبان عندنا؛ فذات شقين:
الشق الأول:
وهو المنهاج الذي نعدله نحن من سيئ إلى أسوأ، فنعسر حين نزعم أننا نيسر ... وحكايتنا في تعديله مثل حكاية ذلك الذي حملوه عنزة وهبط ... فقالوا: حملوه ثنتين.
وأما الشق الثاني:
فسببه عدم تدقيق المدارس في تعيين الصفوف، ومزاحمة بعضها بعضا لكي تعبئ ما في بناياتها من فراغ، بل فلنقل: إن التعبئة عندنا حتى البشم والكظة، فهم لا يأكلون بثلث بطنهم، بل يتمنون أن يكون لهم ثلاثة بطون ليأكلوا بها كلها، ويقشوا كل ما على المائدة.
نحن قوم عقلنا متحجر، وهو لا يتشكل ولا يتبلور مهما تصهره العناصر.
أرأيت إلى البزاقة في كوخها الذي تحمله وتسير؟ إنها لا تخرج منه قط، وأكبر همها أن تمط وجهها قليلا، وإذا اشرأبت فوق ذاك البوق فربع قيراط؛ لكي تعلن تلك المسكينة أن لها قرونا، ولكنها قرون هلامية لا تصلح للمساورة والنطاح ... اسمها قرون، أما مادتها فمخاطية.
Bilinmeyen sayfa