عليك أن تتوقف عن سذاجة الانتظار، والبكاء على الأطلال والتحسر على ما فات وكان، فلا شيء يفيد حقا ولا ماضي سيرجع.
ولا وقت سيرسل عقاربه لتستند عليها مجددا؛ فالرحيل هو الرحيل، ولا تولد منه عودة.
سأحاول أن أفرغ الألم، وأفرغ ما بجعبتي من كلام بعد ثلاثين من السنين عشتها بكل ما فيها من ألم وهناء، حزن وفرح ...
أرى علامات استفهام كبيرة على رءوس من حولي تستفهم عما حصل بين أرواحنا وأجساد مختلفة.
نعم، ولكن الأرواح مترابطة، فبعض كلمات من أفواه غبية هدمت محبة وفسحات العيش داخل هذه البقعة الصغيرة.
قال لي أيضا: انتظرنا طويلا حتى تكبر، كما تنزع البذور عن نفسها قشورها، ثم تمضي قدما تشق طريقها في تحدي الصخور والأشواك؛ فتخرج على وجه البسيطة أشجارا باسقة قوية، كذلك أنت حين كنت تحبو على بلاط غزة. لم أتوقع منك الهروب أو التفكير في ذلك، وتتحول إلى ذاكرة للباقين، ينتظرون رسائلك وهداياك من أماكن بعيدة جدا، أماكن باردة والثلج يكسو أقدامك. كل ما أخشاه أن تتذكر غزة في يوم النكبة فقط.
كل ما ستفعله في هذا اليوم أن ترسل علم دولتك الجديدة كتذكار، أو ترسل مفتاحا من الكرتون لتقول لنا اصبروا. كل ما علينا وقتها أن نشم رائحة الخمر في هداياك، ونلاحق النساء بين كلماتك.
اعلم أني اخترتك لتكون بطلا لروايتي؛ لتتعلم الصبر الطويل وأنت تعد ظل الطائرات، وأنت تلملم صوت الرصاص من نافذة الجيران، أن تنظر كيف نقطر مياه البحر قطرة، قطرة، لتشرب بعد يوم طويل من الصيام في تموز.
نرغب في أن تجلس معنا على مائدة الإفطار، والجنود الغاضبون يقفون أمام البيت يبحثون عن طفل رشقهم بالحجارة. نرغب أن تشاركنا نصف الملح، ونصف الخبز الناشف. نرغب جدا أن تبقى عندنا لتشاركنا رائحة أحلامنا باللحمة المشوية.
راقبتك جيدا ودققت في تفاصيلك، وأعجبني منك هذا الموقف؛ حين أخذك أبوك إلى كنيسة المعمداني القديمة، كان الحاضرون يرتلون الآيات ويطيرون أرواحهم فوق أسوار الكنيسة بالخشوع والبكاء تحت صورة مريم وابنها.
Bilinmeyen sayfa