تفاصيل لا بد منها
وضعت في جيوب ملابسك أربعة فصول؛ في جيبيك الأماميين وضعت لك الربيع والصيف، وفي جيبيك الخلفيين وضعت أيضا الخريف والشتاء.
في غزة ما تراه من أفعال للناس هو تأثير الفصل عليهم. كثر من بداخلهم ربيعا وحين تراهم تشعر أنك تواجه صيفا حارا جدا. والذين يركضون في شوارع غزة تشعرهم مبللين بالمطر، لكن داخلهم خريفا يوزع اصفرارا في المدى، خريف يجعل زرقة البحر رمادية.
الفصول في جيوبك عبارة عن غبار، فقط عليك أن تنثره على من تشك في تصرفاته، انتظر برهة من الوقت سيظهر لك بحقيقته السليمة.
لا تحكم على الناس من ثقافتك، ولا تحكم على الناس من أفعالهم، احكم عليهم من دواخلهم. وهذا صعب، لكن في جيوبك الأمامية والخلفية مفتاح أسرار الناس في غزة.
سأخبرك اليقين؛ نحن في غزة كلنا نتبع الموضة، لا أقصد الموضة بالأزياء أو الألوان ولا الروائح، أقصد التقليد الأعمى.
في لحظة تجدنا مقاومين نحمل السلاح، صغيرنا قبل كبيرنا، النساء أيضا يفجرن أنفسهن ويقدمن أرواحهن مهرا للمقاومة. يصبح عندنا الموت كفاكهة الصيف تنتشر على أرصفة الشوارع، فكيف أصبح الجميع حملة سلاح؟ كيف أصبح أطفالنا مقاتلين وتركوا المراجيح ولعبة كرة القدم في الشوارع؟ كيف تركوا لعبة التزلج على رمال السوافي؟ كل يوم شهداء ومصابون للوطن، وأغلب من يدعي المقاومة لا يعرف كم هي عدد محافظات الوطن!
كل هؤلاء يظهرون كفصل الخريف، لكن لو نثرت عليهم غبار الربيع سيتحولون لقطط لطيفة بفراء أصفر ناعم جدا، تحملها أنى تشاء. وصغارنا (أقصد أطفال البندقية) ستجد جيوبهم محشوة بالبنانير (الجل الزجاجي)، يلعبون ساعات ويأكلون ساعات، وينامون بعد ضحكات طويلة.
خذ افتح هذا الصندوق، ستجد عدسات مخلقة من شفرات وراثية لزرقاء اليمامة، بعد أن تستخدمها سيتنبأ أهلها بالحروب القادمة، وأخطر مهمة أن تخبرنا عن الحروب الداخلية. نحن نتنبأ بالعظماء بجلب الحرب الخارجية لأنفسنا، لكن كلنا نكون بغفلة عما يحدث في جبهتنا الداخلية.
هذه شفرات زرقاء اليمامة، أرجوك حاول أن تخبرنا عما تخبئه لنا الحدود. إذا تحرك الشجر، أو كثرت أعداد العصافير على الحدود، أرجوك بلغنا، نحن بحاجة ماسة أن نموت ونحن نعلم وقت موتنا؛ نشعر أننا نجيد الاستغفار قبل الموت. حين ترى العدو يركض في شوارعنا قل بصوت عال:
Bilinmeyen sayfa