قلت فليتأمل القارئ الحر في هذه الصحف التاريخية البيضاء التي نمق سطورها أئمة تيهرت بالمغرب وأئمة عمان بالمشرق . وهي كما ترى عظيمة القدر جليلة الخطر ، حافلة بجلائل الأعمال ومفاخر الأجيال ، وهي جزء طبيعي من التاريخ الإسلامي المجيد . انظر كيف يمر عليها مر الكرام جمع غير قليل من المؤرخين قديما وحديثا ، في الوقت الذي نراهم لا يغادرون صغيرة ولا كبيرة من الدول إلا سجلوا أعمالها وخلدوا فيما كتبوه ذكرها . وقد يكون البعض منها مما لا يقام له وزن كالدويلات التي لم تعش أكثر من ربع قرن ولم يدخل تحت حكمها إلا آلاف قليلة من بني البشر . فما بالهم يذكرونها في مطولاتهم ومختصراتهم ، ويهجرون ذكر دول قامت على دعائم العدل وقواعد الشرع ، وخدمت الدين والإنسانية والمدنية خدمات تعنو لها جباه المنصفين إجلالا وتقديرا كدولتي بني رستم ونفوسة بالمغرب ودولتي عمان وزنجبار بالمشرق . وقد رفعت من شأن الإسلام وأعلنت مناره وأيدت تعاليمه بما قصر عنه كثير غيرها من الدول الإسلامية . وعمرت قرونا وقرونا ، وخضع لسلطانها ملايين وملايين من النفوس ، وهي إذ ذاك في مجد شامخ وعز باذخ لا يدانيها فيه عشرات من تلك الدويلات مضموم بعضها إلى بعض . فيا سبحان الله ، أنقول إنهم يجهلون تاريخها ونرضى لهم بالجهل وكفى ؟ أم نقول إن هذه الدول لكونها تنسب إلى الأباضية فلا يجمل بهم ذكرها ولا يحسن أن تحشر في زمرة الدول التي دونوا أعمالها ؟ أفيصح ويجوز أن يكون عذرهم هو هذا ؟ اللهم إنه لعذر أقبح من ذنب ما ارتكبوه .
ألا فليعمل العقلاء وليجد النبهاء في إزالة هذه السخافات من بين المسلمين ، وليبادل بعضهم بعضا دراسة تاريخ أمم الإسلام وفرقه بلا تحيز ولا تمييز . وليعلموا أن الخلاف الواقع بين الأباضية والمذاهب الأربعة هو أبسط جدا مما يتصورون .
Sayfa 75