لقاء العشر الأواخر بالمسجد الحرام (٤)
مختصر تنزيه المسجد الحرام عن بدع الجهلة العوام
تأليف
الإمام أبي البقاء أحمد بن الضياء القرشي العدوي الحنفي المتوفى سنة ٨٥٤ هـ
اعتنى به
نظام محمد صالح يعقوبي
ساهم بطبعه بعض أهل الخير بالمدينة المنورة
دار البشائر الإسلامية
Bilinmeyen sayfa
مختصرُ تنزيه المسجد الحرام عَنْ بِدَعِ الجهلة العوامِ
1 / 2
حُقوُق الطبع محفُوظة
الطبعة الأولى
١٤٢٠ هـ - ١٩٩٩ م
دار البشائر الإسلامية للطباعة والنشر والتوزيع
هاتف: ٧٠٢٨٥٧ - فاكس: ٧٠٤٩٦٣/ ٠٠٩٦١١
بيروت - لبنان ص ب: ٥٩٥٥/ ١٤
e-mail: [email protected]
1 / 3
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المحقق
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإن لهذا الكتاب قصةً لطيفةً؛ فقد اتصل بي هاتفيًّا الأخ الحبيب في الله، البحَّاثة المحقِّق، والعالم والخبير المدقِّق، الشيخ محمَّد بن ناصر العجمي من الكويت المحروسة في أواخر شعبان ١٤١٩ هـ، وطلب إليَّ اصطحاب بعض المصوَّرات والمخطوطات لمدارستها -كعادتنا- في المسجد الحرام، ليالي العشر الأواخر المباركة من شهر رمضان، وانتقاء ما يصلح، منها للنشر والتحقيق، والمقابلة والتدقيق. وفي ذلك اليوم -الذي هاتفني فيه الشيخ العجمي- ذاتِه، وبَيْنَا أنا في خزانة كتبي العامرة -حرسها الله تعالى- وقعتُ على مخطوطة أصلية (١)، وهي أصل هذا الكتاب الذي أتشرَّف بتقديمه هنا وأخرجه من قبور المخطوطات إلى حياة المطبوعات!! وقد سُرِرْتُ أيَّما سرور عندما وجدت هذا الكتاب، لمناسبة موضوعه المكان الشريف الذي نجتمع فيه، أعني بيت الله الحرام.
وهذه الرسالة "مختصر تنزيه المسجد الحرام عن بدع جهلة العوام" فريدة في بابها، نفيسة في موضوعها، كيف لا ومؤلفها إمامٌ جليلٌ من أئمةِ عصره، وفقيه من كبار فقهائه، وإليك ترجمته باختصار:
_________
(١) ولم أكن أعلم بوجودها فيها قبل ذلك!!
1 / 5
ترجمة مؤلف الرسالة
اسمه ونسبه:
هو محمَّد بن أحمد بن الضياء محمَّد، القرشي، العمري، المكي، بهاء الدين أبو البقاء، المعروف بابن الضياء (١).
ولادته ووفاته:
وُلد في ليلة تاسع المحرم سنة ٧٨٩ هـ بمكة، ونشأ بها. وتوفي في ذي القعدة سنة ٨٥٤ هـ بمكة أيضًا ﵀ (٢).
ذِكْر بعض شيوخه:
أُحضر على الجمال الأَمْيوطي، وسمع والده، والمحب أحمد بن أبي الفضل، وعلي بن أحمد، النويريين. وارتحل غير مرة إلى القاهرة فقرأ بها على الشرف بن الكُوَيْك، والجمال الحنبلي، والحافظ ابن حجر العسقلاني وغيرهم. وأجاز له أبو هريرة بن الذهبي، والعلائي، والبلقيني، وابن الملقن، والعراقي، والهيثمي وغيرهم من أعلام عصره ﵏ (٣).
بعض مناصبه:
ناب في القضاء بمكة عن أبيه، ثم استقل به بعده، ثم أضيف إليه نظر الحرم والحسبة (٤)، ثم انفصل عنهما خاصة.
_________
(١) الأعلام للزركلي ٥: ٣٣٢.
(٢) الضوء اللامع ٧: ٨٤ - ٨٥.
(٣) انظر: الضوء اللامع ٧: ٨٥.
(٤) ولعله ألَّف كتابه هذا وأصله الكبير بحكم احتسابه وعمله فيه، والله أعلم.
1 / 6
بعض فضائله ومناقبه وثناء العلماء عليه:
قال السخاوي: كان إمامًا علَّامةً متقدمًا في الفقه والأصلين (١) والعربية، مشاركًا في فنون، حسن الكتابة والتقييد، عظيم الرغبة في المطالعة والانتقاء، بحيث بلغني عن أبي الخير ابن عبد القوي أنه قال: أعرفه أزيدَ من خمسينَ سنة، وما دخلت إليه قطُّ إلَّا ووجدته يطالعُ أو يكتبُ (٢)!!
وقال ابن أبي عذيبة: قاضي مكة المشرفة، وعالم تلك البلاد ومفتيها -على مذهبه-، مع الجودة والخير والخبرة بدنياه. سافر وطَوَّف البلاد، ومع ذلك لم تَفُتْهُ وقفةٌ بعرفة منذ احتلم إلى أن مات! ودخل بيت المقدس مرتين (٣).
مصنفاته:
١ - المَشْرَع في شرح المجمع (٤) (أربع مجلدات).
٢ - البحر العميق في مناسك حج البيت العتيق. (أخبرني الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان حفظه الله أنه قيد التحقيق من قبل أحد الدكاترة).
٣ - تنزيه المسجد الحرام عن بدع جهلة العوام (في مجلد).
قلت: وهو أصل هذه الرسالة المختصرة منه. ولم أقف له على نسخة حتى الآن فيما اطلعت عليه من فهارس الكتب الخطية في مكتبات
_________
(١) أي أصول الدين وأصول الفقه.
(٢) هكذا تكون الهمم، لا هممنا اليوم! فإنَّا لله وإنا إليه راجعون.
(٣) الضوء اللامع ٧: ٨٥.
(٤) أي مجمع البحرين في فقه الحنفية.
1 / 7
العالم، وهي كثيرة، يسَّر الله تعالى لنا ذلك بمنَّة وجُوده وكرمه .. آمين.
٤ - شرح الوافي (له شرحان مطول ومختصر).
٥ - شرح مقدمة الغزنوي في العبادات وسماه: الضياء المعنوي.
له نسخة في مكتبة مكة برقم ٥٣٩ في الفهرس (١) (ص ١٩٣) بعنوان: ضياء المعنوية على المقدمة الغزنوية في ٤٢٨ ورقة [تحت رقم ١٧ فقه حنفي].
٦ - شرح للبزدوي (لم يكمل).
٧ - المتدارك على المدارك في التفسير (لم يكمل وصل فيه إلى آخر سورة هود، وذكر السخاوي أن والده أكمله).
٨ - النكت على الصحيح (في الحديث)، ذكره الزركلي في "الأعلام".
٩ - تاريخ مكة المشرفة والمسجد الحرام والمدينة الشريفة والقبر الشريف. منه نسخة مخطوطة في دار الكتب المصرية (٢). وقد ذكره بروكلمان في "تاريخ التراث العربي" وغير ذلك.
* * *
_________
(١) فهرس مخطوطات مكتبة مكة المكرمة، مطبوعات مكتبة الملك فهد الوطنية، الرياض ١٤١٨ هـ.
(٢) قلت: وقد طبع في بيروت هذا العام (١٤١٩ هـ) أثناء صف الكتاب وتقديمه للطباعة.
1 / 8
وصف النسخ الخطية
اعتمدت في إخراج هذه النشرة على نسختين مخطوطتين هما:
١ - نسخة أصلية في خزانة كتبي الخاصة -حرسها الله- تقع في ٧ ورقات. تاريخ نسخها في يوم الثلاثاء ٢ شعبان سنة ١٠٠٦ هـ. في القسطنطينية. (وهي التي أشير إليها بالأصل).
٢ - نسخة مكتبة مكة المكرمة المحفوظة في بيت المولد النبوي.
وهي برقم ٣٧٦ في فهرس مخطوطات مكتبة مكة المكرمة (ص ١٤٢).
وتقع في ٨ ورقات ومسطرتها ١٩ س، ضمن مجموع. كتبت بالمدادين الأسود والأحمر. كتبت بخط التعليق. وهي غير مؤرخة، ورجح المفهرس أنها تعود للقرن ١٢ هـ.
شكر وتقدير:
ولا يفوتني هنا أن أتقدم بجزيل الشكر وخالص التقدير إلى شيخنا العلَّامة الفقيه الأصولي، الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان، عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، حفظه الله؛ فهو الذي أرشدنا إلى هذه النسخة، ثم يسر لي الاطلاع عليها، وزاد في إفضاله بتصويرها لي في يوم واحد. وليست هذه بأولى أفضاله وأياديه الكثيرة على طلبة
1 / 9
العلم وأهله. زاده الله علمًا، ونفع به، وأطال في الخير والصلاح عمره .. آمين.
منهج التحقيق
اتخذت نسختي الخاصة أصلًا لقِدَمها، ووجود التاريخ فيها، ثم هي أولى النسختين وجودًا عندي. وقابلت منسوختي على أصل نسخة مكة في مكتبة مكة، كما يتبين من تاريخ المقابلة في آخر الرسالة. وأَثْبَتُّ أهمَّ الفروق بينَ النُّسْخَتَيْن.
ولم أتكلف إثقال الحواشي بما لا يُجدي، واكتفيت بإخراج الكتاب في أقرب صورة لنص المؤلف رحمه الله تعالى، مع تعليقات يسيرة اقتضاها توضيح النص والتعريف ببعض الأَعلام.
وصلَّى الله على سيدنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلم.
قاله وكتبه
خادم العلم والعلماء بدولة البحرين
نظام محمد صالح يعقوبي
٣ شعبان ١٤٢٠ هـ
1 / 10
الورقة الأولى من نسخة الأصل
1 / 11
الورقة الأخيرة من نسخة الأصل
1 / 12
الورقة الأولى من النسخة المكية
1 / 13
الورقة الأخيرة من النسخة المكية
1 / 14
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
قال الشيخُ الإمامُ العلَّامة الهُمامُ، قاضي القُضاة، شيخُ الإِسلام أبو البقاء أحمد بن الضياء القُرشيُّ العدوي، الحنفي، رحمةُ اللهِ عليه:
الحمد لله رَبِّ العالمين، وصلَّى الله على سَيِّدِنا مُحَمَّد خاتمِ النبيينَ، وعلى آله وَصَحْبِه أجمعين، وبعدُ: فهذه وُرَيْقاتٌ اخْتَصَرْتُها من كتابي المُسَمَّى بـ: (تَنْزِيه المَسْجِدِ الحرامِ عن بِدَعِ جَهَلَةِ العَوَامّ)، وأَسْأَلُ الله تعالى أن يَنْفَعَ بِه، إنَّهُ قريبٌ مُجيبٌ، وما توفيقي إلَّا بالله، عليه تَوَكَّلْتُ وإِلَيْهِ أُنيبُ:
اعْلَمْ أَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ في المسجد الحرامِ بِذِكْرٍ، أو بتلاوةٍ، أو غَيْرِ ذلكَ: مَنْهِيٌّ عَنْهُ، والجَهْرَ بالذِّكْرِ والأَدْعيةِ بِدْعةٌ، والتَّشْويشَ (١) على الطائفينَ والمُصَلِّينَ وغيرهم، حَرَامٌ.
دَلَّ على ذلك: الكتابُ، والسُّنَّةُ، وأقوال (٢) الصحابةِ والسَّلَفِ الصَّالحِ ﵃. واتَّفَقَ (٣) الأَئِمَّةُ الأَرْبعةُ وأصحابُهُمْ على إنكارِ
_________
(١) نسخة مكة: (التش ش)، وهو تحريف.
(٢) نسخة مكة: (قول).
(٣) نسخة مكة: (واتفقت).
1 / 15
ذلكَ. وغالبُ البِدَع والمُنكرَاتِ بالمَسْجِدِ الحرامِ، تَشْتَمِلُ على رَفْعِ الصَّوْتِ وتَنْشَأ عَنْهُ، أَو تكون (١) من جملة مفاسِدِها.
بيانُ ذلكَ:
أَنَّ مِنَ البدَعِ والمُنكراتِ: إنشادُ الأَشْعارِ والقصائِدِ بالمَسْجِدِ الحرامِ، وَفَوْقَ المآذنِ (٢) بِرَفْعِ الصَّوْتِ بقُرْبِ الطائفينَ والمُتَعَبِّدينَ.
ومنها (٣): قراءة القُرآنِ جُوقاتٍ بِرَفْعِ الأَصْواتِ المُشَوِّشَةِ على المُتَعَبِّدينَ.
ومنها: بِدْعةُ الخُطَبِ فَوْقَ المَنَابِرِ ليالي الختمِ في شَهْرِ رَمَضَانَ بِرَفْعِ الأصواتِ.
ومنها: بِدْعةُ البَيع والشِّراءِ في المسْجِدِ الحرام، خُصوصًا أيَّامَ المَوْسِمِ، يَجْتَمعُ فيهِ النَّاسُ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عميقٍ، ويُؤَدّي ذلكَ إلى رَفْعِ الأَصْواتِ بطريق الضَّرُورَةِ.
ومنها: بِدْعَةُ نَصْبِ الخيامِ في المَسْجِدِ الحرامِ أَيَّامَ المَوْسِمِ، يَجْتَمِعُ فيهِ الحُجَّاجُ مِنَ الرجالِ والنساءِ والأَطفالِ والغِلْمان والعكَّامة (٤)، ويُؤَدِّي ذلك إلى رَفْعِ الأَصْوَاتِ بطريقِ الضرورةِ.
_________
(١) الأصل: (أو يكون هو)، لا يستقيم به الكلام، وكذلك في نسخة مكة.
(٢) الأصل ونسخة مكة: (الميادين).
(٣) أي البدع والمنكرات.
(٤) كذا في المخطوطتين. ولعلها عامية مكية، كما أخبرنا بذلك شيخنا الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان؛ وفي تكملة المعاجم العربية لدوزي (ترجمة د. محمَّد سليم النعيمي) ٧/ ٢٧٥: عكَّام والجمع عكَّامة وعكَّامون: رجل يربط الأعدال ويحملها على الجمال وغيرها من الدواب. وهو أيضًا من يُعْنى بالأمتعة وبالخيم خاصة. اهـ.
1 / 16
ومنها: أَنّه إذا وَقَعَ المَطَرُ بمكة (١) يَخْرُجُ من البُيُوتِ الكِبارُ والصِّغارُ والإِماءُ، إلى المسجد الحرام، حُفاةً، يَدْخُلُونَ الطَّوافَ الشَّريفَ، والحِجْرَ المُكَرَّمَ، ومَعَهُم القِرَبُ والدَّوارقُ والكِيزانُ، يَمْلَؤُنها مِنَ المطافِ ومِنَ الحِجْرِ تحتَ الميزابِ، ويحصلُ حينَئِذٍ في المطافِ الشَّريفِ غوغاءُ وجَلَبَةٌ ولَعِبٌ بالماءِ، وإساءةُ أدبٍ، ورَفْعُ أصواتٍ!
ومنها: تَعْلِيمُ الصبيانِ في المَسْجِدِ الحرامِ، وَرَفْعُ أَصْوَاتِهِمُ المُشَوِّشةُ.
ومنها: صلاةُ الرَّغائِبِ؛ يَجْتَمِعُ بِسَبَبِها الرجالُ والنِّساءُ في المَسْجِدِ الحرام، ويَكْثُرُ فيه رَفْعُ الأَصْواتِ.
ومنها: ما أَحْدَثُوه في لَيْلَةِ النِّصْفِ من شعبان؛ يَجْتَمِعُ في تِلْكَ اللَّيْلَةِ في المَسْجِدِ الحَرَامِ خَلْقٌ لا يُحْصَوْنَ (٢)، ويَقَعُ مِنْهم جُملَةٌ مِنَ المُنكراتِ ذكرناها في كتابنا: (تنزيه المسجدِ الحرام عَنْ بِدَعِ جَهَلَةِ العَوامِّ)، ويُؤدِّي ذلك إلى رَفْعِ الأَصْواتِ.
ومنها: ما أَحْدَثُوهُ في ليلة مَوْلِدِ النبي ﷺ وهي الثانية عَشَرَ من ربيع الأول، يجتمع تلكَ الليلةَ الفَرَّاشون بالشُّمُوعِ والفوانيسِ في المسجدِ الحرامِ ويزفّونَ الخطيبَ مِنَ المَسْجِدِ إلى مولد النبي ﵇
_________
(١) ومن لطيف التقدير أننا نسخنا هذه السطور أثناء نزول المطر الغزير بالمسجد الحرام يوم ٢١ رمضان ١٤١٩ هـ، ونحن تجاه الكعبة المشرفة، في جمع فيهم الشيخ المحقق المدقق محمَّد بن ناصر العجمي، والأخ الأستاذ المربي مساعد آل عبد الجادر والأستاذ رمزي دمشقية صاحب دار البشائر الإِسلامية.
(٢) نسخة مكة: (يخصمون)، وهو تحريف.
1 / 17
بالشموع والمغرعات (١) والمنجنيقات، وبين يَدَيْهِ جوقات المعرّبين (٢)، ويختلط حينئذٍ الرجالُ والنِّساءُ والصبيانُ، ويكثُرُ اللغطُ والزعيق والخصومات ورفع الأصوات بالمسجد الحرام وفي مسجد المَوْلِدِ. ويحصل في تلك الليلةِ مِنَ المفاسدِ ما لا يُحْصيه إلَّا الله تعالى.
ومنها: رفْعُ أَصْواتِ المُصَلِّينَ للتراويحِ في شَهْر رمضان في حاشيةِ المطافِ، وفي صَحْنِ المَسْجدِ. وجَهْرِ بعضهم على بعض بالقراءة، ورَفْعِ أصواتِ المُكَبِّرينَ خلفهم.
ومنها: بدعةُ الوقيد على المقاماتِ الأربعة في الليالي الفاضلة، وكثرةُ إيقادِ الشُّموعِ والقناديل في ليالي الختم في رمضان؛ لأنه ينجرُّ بسبب ذلك مفاسدُ كثيرةٌ، برَفْعِ الأَصْواتِ المُشَوِّشَةِ والألفاظ، واللغو، والضَّحِكِ، والمزاحِ، والخُصومات، والزعقاتِ واللَّغَطِ، وغير ذلك من المفاسد التي لا تُحصى.
ومنها: خروجُ نساءِ أهل مكة إلى المسجد والمطافِ الشريفِ واجتماعُهُم (٣) هناك في ليالي الجُمَع والأعياد والليالي الفاضِلَةِ في السَّنَةِ، ويكْثُرُ إذْ ذاكَ لَعِبُهُنَّ وَرَفْعُ أصواتِهِن، ويكونُ ذلكَ سببًا لوقوعِ الفتنةِ بينَ الرجال والنِّساء.
ومنها: سؤالُ الفقراءِ النَّاسَ في المسجدِ الحرامِ وفي حاشيةِ المطافِ، وتشويشُهم على الناس، بِرَفْعِ أصواتهم بالسؤال.
_________
(١) كذا بالأصلين المخطوطين. ولم أتبين وجه الصواب فيها.
(٢) نسخة مكة: (المقربين)، ولعل الصواب: (المقرئين)، والله أعلم.
(٣) كذا في المخطوطتين والوجه: (واجتماعهن).
1 / 18
ومنها: اجتماعُ الرجال في المسجد حَلْقاتٍ ذاكرين، وقُرَّاء يَذْكُرُون ويَقْرؤون بِرَفْعِ الأصوات المشوشة على الطائفين والمُصَلّين.
ومنها: الدُّعَاء بعد الختمِ في آخر شهر رمضانَ بِرَفْعِ الأَصْواتِ، ويجتمع بسبب ذلك خَلْقٌ لا يُحْصَوْن مِنَ الرجال والنساء، وينجر ذلك إلى مفاسد جمة.
ومنها: اجتماعُ الرجال جوقات يقرؤون عُقيبُ جلوسِ الخطيب في أثناء الخطبةِ في شَهْرِ رمضان، برفع الأصواتِ المشوشة.
ومنها: إنشادهم الأشعار والقَصائِدَ عُقَيْبَ الخَتْمِ بِرَفْع الأَصْواتِ المُزْعِجَةِ جوقاتٍ جوقاتٍ.
ومنها: رفعُ أصْواتهم على المآذن (١) بالتسبيح آخر الليل ويشَوِّشونَ بذلك على المُتَعَبِّدينَ والطائفين في المسجد، ويخلطون عليهم ما هم فيه.
ومنها: رَفْعُ أصواتِ السَّقَّائِينَ الّذين يَسْقُون الناس في المسجد الحرامِ.
ومنها: كثرة المؤذنين في المسجد وعلى المآذن، وعلى سطح المسجد وأبوابه بِرَفْعِ الأصواتِ المُزْعِجَةِ حتى لا يقْدِرَ أَحَدٌ أن يُجيبَ مُؤَذِّنًا مُعَيَّنًا.
ومنها: التسحير (٢) المُحْدثُ في شَهْر رمضانَ فوقَ المآذنِ، وعلى الرُّباع والبُيُوت والجبالِ، بِرَفْعِ الأَصواتِ المُشَوِّشةِ على المُتَعَبِّدينَ في المسجد.
_________
(١) الأصل: (الميازين)، نسخة مكة: (الميادين).
(٢) في المخطوطتين: (التسخير). والتسحير: النداء وقت السحر.
1 / 19
ومنها: التذكير يومَ الجُمُعَةِ بِرَفْعِ الأصْواتِ.
ومنها: جُلُوس الخياطين في المَسْجِدِ -[و] يكثرون في جوانبِ المسجد- ويَكْثُرُ منهمُ اللَّغَطُ واللَّعِبُ ورَفْعُ الأصْواتِ، والقيل والقالُ.
ومنها: رَفْعُ أصْواتِ الأخْصَام (١) عند الحاكم الذي يحكمُ في المَسْجِد.
ومنها: مرورُ الحمَّالينَ بالأمتعة والطعامات (٢) في المسجد، ورفعُ أصواتهم بالألفاظ التي تُعْهَدُ مِنْهُم في بيعِ المَتاعِ.
ومنها: اتخاذُ المسجدِ طريقًا فَيَدْخُلُهُ الجمُّ الغفيرُ مِنَ الرجال، والنساء، والعبيد الذين لا يحترزونَ عن النجاساتِ، [والصغار] (٣) والإماءِ حُفاةً وأقدامهن منجسة، ويؤدي ذلك إلى اللَّغَطِ واللغو.
[ومنها] (٤): نشد الضالة والبيع والشراء وَرَفْعُ الأصوات.
ومنها: اشتغالُ بعض الطائفين بما لا يعنيهم من الكلام في أحاديث الدُّنيا، واللغط والقهقهة، ورفع الأصوات.
ومنها: دعاؤهم في الطوافِ بأدعيةٍ متكلفة ملحونة مُحَرَّفة (٥) -غير مأثورة (٦) - بِرَفْع أصواتهم.
_________
(١) كذا في المخطوطتين، وهو صحيح لغة.
(٢) كذا في المخطوطتين، وهو صحيح لغة.
(٣) زيادة من نسخة مكة.
(٤) ساقطة من المخطوطتين.
(٥) في المخطوطتين: (محرمة)، ولعل الصواب ما أثبت.
(٦) في المخطوطتين: (مأثون)!.
1 / 20
ومنها: وقوفُهم في الطوافِ حِلَقًا حِلَقًا حول الأَرْكانِ مُسْتدبِرين القِبْلَة، مشيرين بالسبَّابةِ نحو الأَرْكان، ويبالغونَ برفعِ الأصوات المُشَوِّشةِ.
ومنها: وسْوَستُهم في النيةِ، وتشكُّكُهم (١) حالةَ الشروعِ في الطواف، رافعينَ أصواتَهم.
ومنها: تَقْبيلُهم الحجرَ الأسودَ بِصَوتٍ مُرْتَفِعٍ عالٍ.
ومنها: طوافُ النساءِ مختلطينَ بالرجال، خصوصًا أيَّامَ المَوْسِمِ، فتقَعُ الزَّحْمَةُ بينهم، ويكثر رَفْعُ الأصوات.
ومنها: وقوفُهم في فتحتَيَ الحجْرِ مُسْتقبلين جهةَ النبي (٢) ﵇، ويدعونَ بِرَفْعِ الأصوات.
ومنها: دخولُهم البيتَ الشريف بالزحمة الشديدةِ، ورفعِ الأصواتِ، وإيذاءِ بعضهم بعضًا.
فَهذِهِ خَمْسَةٌ وثلاثونَ منكرًا من جُملةِ المنكراتِ التي تشتملُ على رَفْعِ الأصوات وهي أكثرُ مما ذكرنا، لكن اقتصرنا على ذكر هذا القَدر مخافةَ التطويل، وكثيرٌ مما ذكرنا مذكرر في كتابنا (تنزيه المسجد الحرام).
رجعنا إلى ما نحنُ فيه من الأَدِلَّةِ:
أما الأدلةُ من الكتاب العزيزِ على مَنْعِ رَفْع الأصوات، وفضيلة الإخفاء بالتلاوة والذِّكْرِ والدُّعاء، فكثيرةٌ، ذكرناها في كتابنا المذكور، ونذكرُ بعضها:
_________
(١) في المخطوطتين: (تشكيكهم).
(٢) لعله يقصد جهة المولد الشريف.
1 / 21