Mukhtasar Tefsir-i İbn Kesir
مختصر تفسير ابن كثير
Yayıncı
دار القرآن الكريم
Baskı Numarası
السابعة
Yayın Yılı
1402 AH
Yayın Yeri
بيروت
Türler
Tefsir
- ١٧٤ - إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
- ١٧٥ - أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ
- ١٧٦ - ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ
يَقُولُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ﴾ يَعْنِي الْيَهُودَ الَّذِينَ كَتَمُوا صِفَةَ مُحَمَّدٍ ﷺ، فِي كُتُبِهِمُ التِي بِأَيْدِيهِمْ مِمَّا تَشْهَدُ لَهُ بِالرِّسَالَةِ وَالنُّبُوَّةِ، فَكَتَمُوا ذَلِكَ لِئَلَّا تَذْهَبَ رِيَاسَتُهُمْ، وَمَا كَانُوا يَأْخُذُونَهُ مِنَ الْعَرَبِ مِنَ الْهَدَايَا وَالتُّحَفِ عَلَى تَعْظِيمِهِمْ آباءهم، فَخَشُوا - لَعَنَهُمُ اللَّهُ - إِنْ أَظْهَرُوا ذَلِكَ أَنْ يَتَّبِعَهُ النَّاسُ وَيَتْرُكُوهُمْ، فَكَتَمُوا ذَلِكَ إِبْقَاءً عَلَى مَا كَانَ يَحْصُلُ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ نَزْرٌ يَسِيرٌ، فَبَاعُوا أَنْفُسَهُمْ بِذَلِكَ، وَاعْتَاضُوا عَنِ الهدى بذلك النزر اليسر، فَخَابُوا وَخَسِرُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، أَمَّا فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ اللَّهَ أَظْهَرَ لِعِبَادِهِ صِدْقَ رَسُولِهِ، بِمَا نَصَبَهُ وَجَعَلَهُ مَعَهُ مِنَ الْآيَاتِ الظَّاهِرَاتِ وَالدَّلَائِلِ الْقَاطِعَاتِ، فَصَدَّقَهُ الَّذِينَ كَانُوا يَخَافُونَ أَنْ يَتَّبِعُوهُ، وَصَارُوا عَوْنًا لَهُ عَلَى قِتَالِهِمْ، وَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ، وَذَمَّهُمُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ في غير موضع، فمن ذَلِكَ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ وَهُوَ عَرَضُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴿أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ﴾ أَيْ إِنَّمَا يَأْكُلُونَ مَا يَأْكُلُونَهُ فِي مُقَابَلَةِ كِتْمَانِ الْحَقِّ نَارًا تَأَجَّجُ فِي بُطُونِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وسيصلون سعيرا﴾ وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أنه قال: «إن الَّذِي يَأْكُلُ أَوْ يَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ».
وقوله تعالى: ﴿وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ ولهم عذاب إليهم﴾، وذلك لأنه تعالى غَضْبَانُ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّهُمْ كَتَمُوا وَقَدْ عَلِمُوا فَاسْتَحَقُّوا الْغَضَبَ، فَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ ﴿وَلَا يُزَكِّيهِمْ﴾ أَيْ يُثْنِي عَلَيْهِمْ وَيَمْدَحُهُمْ بَلْ يُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: "ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: شَيْخٌ زَانٍ، وملك كذاب، وعائل مستكبر" (رواه ابن أبي حاتم وابن مردويه) ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْهُمْ: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى﴾ أَيِ اعْتَاضُوا عَنِ الْهُدَى - وَهُوَ نَشْرُ مَا فِي كُتُبِهِمْ مِنْ صِفَةِ الرَّسُولِ وَذِكْرِ مَبْعَثِهِ وَالْبِشَارَةِ بِهِ مِنْ كُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ وَاتِّبَاعِهِ وَتَصْدِيقِهِ - اسْتَبْدَلُوا عَنْ ذَلِكَ وَاعْتَاضُوا عنه الضلالة، وَهُوَ تَكْذِيبُهُ وَالْكُفْرُ بِهِ وَكِتْمَانُ صِفَاتِهِ فِي كُتُبِهِمْ ﴿وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ﴾ أَيِ اعْتَاضُوا عَنِ الْمَغْفِرَةِ بِالْعَذَابِ وَهُوَ مَا تَعَاطَوْهُ مِنْ أَسْبَابِهِ الْمَذْكُورَةِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ﴾ يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُمْ فِي عَذَابٍ شَدِيدٍ عَظِيمٍ هَائِلٍ، يَتَعَجَّبُ مَنْ رَآهُمْ فِيهَا مِنْ صَبْرِهِمْ عَلَى ذَلِكَ مَعَ شِدَّةِ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْعَذَابِ وَالنَّكَالِ وَالْأَغْلَالِ عِيَاذًا بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ وَقِيلَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: ⦗١٥٣⦘ ﴿فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ﴾ أي فما أَدْوَمَهُمْ لِعَمَلِ الْمَعَاصِي التِي تُفْضِي بِهِمْ إِلَى النار. وقوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ﴾ أَيْ إِنَّمَا اسْتَحَقُّوا هَذَا الْعَذَابَ الشَّدِيدَ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ عَلَى رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَعَلَى الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ كُتُبَهُ بِتَحْقِيقِ الْحَقِّ وَإِبْطَالِ الْبَاطِلِ، وَهَؤُلَاءِ اتَّخَذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا، فَكِتَابُهُمْ يَأْمُرُهُمْ بِإِظْهَارِ الْعِلْمِ وَنَشْرِهِ فَخَالَفُوهُ وَكَذَّبُوهُ، وَهَذَا الرَّسُولُ الْخَاتَمُ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَيَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَهُمْ يُكَذِّبُونَهُ وَيُخَالِفُونَهُ، وَيَجْحَدُونَهُ وَيَكْتُمُونَ صِفَتَهُ، فَاسْتَهْزَأُوا بِآيَاتِ اللَّهِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَى رُسُلِهِ، فَلِهَذَا اسْتَحَقُّوا الْعَذَابَ وَالنَّكَالَ، وَلِهَذَا قَالَ: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ﴾.
1 / 152