على أنه لو ظَهَر لم يرقُبْ العهدَ، فإنه مع وجود الذِّلَّة يفعل هذا، فكيف يكون مع العِزَّة!؟ وهذا بخلاف من لم يُظْهِر لنا مثل هذا الكلام.
الموضع الثالث: قوله تعالى: ﴿وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ﴾ [التوبة: ١٢].
وهذه الآية تدل من وجوهٍ:
أحدها: أن مجرَّد نكث الأيمان مقتضٍ للمقاتلة، وذِكْره الطعنَ في الدين تخصيصًا له بأنه من أقوى الأسباب الموجبةِ للقتال، أو ذَكَره على سبيل التوضيح وبيان سبب القِتال، أو لأنه (^١) أوجبَ القتالَ في هذه الآية بقوله: ﴿فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ﴾، وبقوله: ﴿أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ﴾ [التوبة: ١٣]، فيفيد ذلك أن من لم يصدر منه إلّا مجرَّد نكث اليمين جاز أن يُؤَمَّن ويُعاهد، فأمّا من طعن في الدين فإنه يتعيَّن قتالُه، وهذه كانت سنة رسول الله ﷺ، كان يَنْدُرُ (^٢) دماءَ من آذى اللهَ ورسولَه وطعن في الدين.
فإن قيل: هذا يفيد أن من طعن في الدين ونكثَ عهدَه يجب قتالُه، أما من طعن في الدين فقط، فمفهوم الآية أنه وحدَه لا يوجِبُ هذا الحكم؛ لأنه عَلَّقَ الحكمَ على صفتين، فلا يجب وجوده عند وجود إحداهما.
قلنا: لا ريبَ أنه لا بُدَّ أن يكون لكلِّ صفةٍ تأثير في الحكم؛ إذ لا يجوز تعليقه بصفةٍ عَدِيمة التأثير، ثم قد تكون كلُّ صفةٍ مستقلة بالتأثير، كما [يقال]: يُقتل زيد لأنه مرتد زانٍ، وقد يكون مجموعُ الجزاء مرتبًا على
_________
(^١) في بعض نسخ "الصارم": "ولأنه" وعليه فالكلام، مستأنَف.
(^٢) أي: يُسقطها ويُهدرها.
1 / 37