يوما بجى ويوما في دمشق وبالفسطاط ... يوما ويوما بالعرافين
كان جسمي وقلبي الصب ... ما خلقا إلا ليقتسما بالشوق والبين
ومنها
أحبكم حب النفوس نقاها ... واشتقاقكم شوق الظماء للورد
ترحلت عنكم والفؤاد بحاله ... صبور على البلوى مقيم على الوجد (١٨٧ ب)
فإن رمتم عذرى فإني على الوفا ... وإن خنتم عهدي فأني على العهد
ذكر اللسان الصوفي
قال: وكان حينئذ بمصر شيخ صوفي من أهل بلخ قد جرب الدهر وعانى العقد والفسخ، وعاين الإثبات والنسخ وجاور بغداد والكرخ، ظريف طريف، عفيف، لطيف لا يأكل وحده ولو انه رغيف. له مع نجم الدين أيوب صحبة قديمة ومودة كريمة وقد ملك من قلوب الملوك قبولا، ولم يزل بشمول عارفتهم مشمولا فبنى دارا على شاطئ النيل وفتح بابه لمن يضيفه من أبناء السبيل، وفيها بركة وبستان وروح وريحان، ومن كل شهى ولذيذ ألوان وللحلاوات على شيمته الحلوة حوالات، وللحاجات عند سجيته السمحة ناجات له فيما يدخل السرور في أنفس أصدقائه اخراجات.
وما زال يدعونا إلى داره ولا يخلينا في ليالي الجمع من انتظاره، ويضيفنا مفردين ومجتمعين، ويحضرنا المستمعين والمغردين. وكان محبا للأدب ولدفاتره مستنسخا ومؤثرا للفضل ولمعاشرة معاشر مصرحا فإذا عرف ميلنا إلى كتاب قدمه وقدم على تقديمه قسمه ويحلف انه لا يأخذ ثمنه وانه لأجلنا ادخره وخزنه ثم وقف على الصوفية من بعده وانتقل بعد سنتين إلى النعيم وخلده.
عاد الحديث قال: ولما عدنا من ثغر الإسكندرية صمنا بقية الشهر في القاهرة، والسلطان متوفر على نشر العدل وإفاضة الجود وسماع أحاديث الرسول ﷺ. وهناك لسماطه سموط وخوان مبسوط وكلنا بما هو فيه من النعمة مغتبط مغبوط، وكان إذا فرغ من الطعام، وخف ثقل الزحام تخلف عنده من جرت عادته من الجلساء وخواص الأمراء ثم قضينا فرض العشاء ووصلنا بالتراويح والاستغفار والتسبيح. ثم أن شاء جلس وبمن يقربه استأنس وإذا أراد البكور قاس وجلا من نشره القس وبكر وركب "والصبح قد تنفس".
ذكر وصول الرسل ووقوع بعضهم في الأسر
قال: قد سبق ذكر انفاذ سعد الدين أبي حامد رسولا إلى الأطراف للاستحلاف ورفع الخلاف وتأليف الكلمة العايدة بالإسعاد والإسعاف. ومضى أبو حامد وسرنا نحن إلى مصر ثم وصل الخبر بأنه قد عاد بعد ما استفاد وبلغ في تبليغ الرسالة المراد. ووصل ومعه من صاحب الموصل القاضي عماد الدين بن كمال الدين الشهر زاوي والحاجب ضياء الدين أبو بكر البغدادي ورسولان احدهما من نور الدين قرا أرسلان يقال له المظفري والآخر من قطب الدين صاحب ماردين وهو الضياء الرحبي، وحضروا بدمشق عند الملك المعظم شمس الدولة أخي السلطان واستحلفوه ودخل لهم تحت ما كلفوه، واستوفوا عليه اليمين بالموافقة على ما شرطوه ووصفوه.
فأما القاضي الشهرزوري فانه عاد إلى الموصل واستبعد طريق مصر واستعمل الوقار فما خف وعاف وعف، فأما الباقون فانه حسن لهم سعد الدين ركوب الخطر وكروب السفر ووعدهم بالغنى وأخذهم على طريق في بلد الفرنج، أن قطعوه في يومين على غرة منهم نجوا فما جاء أمرهم كما رجوا بل شعر بهم القدر فاعرضهم وأخرجهم بالمضايقة وأحرضهم فسبق أبو حامد والضياء أبو بكر بمن معهما في نهج وعر، وحصل رسولا الحصن وماردين في اسر الملاعين الماردين ووصل الناجون إلى مصر واجروا حديث حادث السفيرين الأسيرين فاغتم السلطان واهتم ثم فكهما من الأسر بعد سنين حين فتح حصن بيت الأحزان.
1 / 50