İngilizce Hikayelerden Seçmeler
مختارات من القصص الإنجليزي
Türler
وفي وسعكم أن تتصوروا كيف عصف ذلك بسكينتي. وكان هؤلاء الوحوش الصغار قد دنوا مني، ولمسني أحدهم فأهويت عليهم في الظلام بالرافعتين، وشعرت أمتطي سرج الآلة. وامتدت إلي يد أخرى ثم ثالثة ورابعة . واضطررت أن أدافعهم لأقصي أصابعهم الملحة، عن الرافعتين، وأتحسس في الوقت ذاته مكانهما لأثبتهما، وكادوا ينزعون مني إحداهما. وأحسست بها تخرج من يدي فدفعت رأسي في الظلام لاستردادها، فسمعت صوت جمجمة ترن من صدمة رأسي بها. وكانت هذه المعركة شرا من التي دارت في الغابة، ولكني ثبت الرافعة، وجذبتها، فذهبت عني الأيدي المتعلقة بي، وانتسخ الظلام، وألفيت نفسي في الضوء الخافت الذي أسلفت وصفه. (14) امتداد البصر
وقد حدثتكم من قبل عما يعاني المطوف في الزمن من الدوار والاضطراب، وكنت في هذه المرة غير مستقر في سرجي، فلبثت زمنا متشبثا بالآلة وهي تترنح وتهتز، وكنت لا أبالي كيف أذهب، فلما ألقيت نظرة على العدادات أذهلني ما وصلت إليه. وكان أحدها يعد الأيام والثاني يعد آلافها، والثالث يعد ملايينها، والرابع يعد آلاف الملايين. وكنت بدلا من دفع الرافعتين وضغطهما قد جذبتهما لأمضي في المستقبل، فلما نظرت إلى هذه العقارب المشيرة وجدت عقرب الآلاف يدور بمثل السرعة التي يدور بها عقرب الثواني على وجه الساعة - في المستقبل - وبينما كنت أمضي تغير وجه الأشياء، تحول الطفل إلى غشاش فعتمة، وكنت ماضيا بسرعة عظيمة، فرأيت الليل والنهار يتعاقبان، وهذا دليل البطء، وقد صار هذا أوضح، فتعجبت أول الأمر، فقد صار توالي الليل والنهار أبطأ فأبطأ، وكذلك اجتياز الشمس قبة السماء حتى لخيل إلي أن مسافة الزمن تمتد حتى لتصبح قرونا، وأخيرا لفت الأرض في سواد شامل لا يضيء فيه إلا ما يتهاوى من الشهب، فقد غاب واختفى ذلك الطوق المنير الذي كان يدل على الشمس، لأن الشمس كفت عن المغيب، وأصبحت تطلع وتغرب في الغرب، وتزداد إلى هذا جرما وتوهجا، وامحى كل أثر للقمر، وحلت نقط من الضوء محل الكواكب الدوارة التي ازدادت بطأ في سيرها، وقبل أن أقف، وقفت الشمس في الأفق، وكانت قبة عظيمة من نار كابية، يعتريها الهمود لحظة من حين إلى حين، وقد عادت مرة فتلظت جمرتها، ولكنها ما لبثت أن عادت إلى سكونها، وأدركت من هذا البطء في الطلوع والغروب أن الزمان قد فعل فعله، وكانت الأرض قد صارت بأحد وجهيها إلى الشمس، كما يواجه القمر في زماننا، الأرض، فشرعت، بحذر شديد - فما نسيت وقعتي السابقة - أعكس اتجاهي، وأتحول عنه، فصارت العقارب الدائرة أبطأ فأبطأ، حتى بدا عقرب الآلاف كالثابت، ولم يعد عقرب اليوم كالضباب على وجه العداد، وزاد البطء حتى وضح لعيني ساحل مهجور.
فوقفت برفق، واعتدلت في سرجي، وأدرت عيني حولي، فرأيت السماء قد زايلتها زرقتها، وغدا الأفق الشرقي أسود كالحبر، وكانت النجوم الباهتة تومض فيه، أما ما فوقي من قبة السماء فكان أحمر ولا نجوم فيه، وأما جنوبا بشرق فكان الوهر يزداد حيث دارة الشمس حمراء لا حراك بها، وكانت الصخور التي حولي حمراء وفيها وعورة، وكل ما رأيته من مظاهر الحياة هو نضارة الخضرة التي تكسو كل بارز على وجه الأرض في هذه الناحية.
وكانت الآلة واقفة على ساحل مائل، والبحر يمتد جنوبا بغرب ويرتفع عند الأفق في رأي العين، فيختلط بالسماء الشاحبة، ولم تكن فيه أمواج تعتلج، فقد كان الهواء راكدا، لولا رائحة زيتية تجيء وتروح كالنفس المتردد، لما أدرك الإنسان أن البحر لا يزال حيا يتحرك، وعلى الساحل حيث تتكسر المياه أحيانا، طبقة سميكة من الملح تبدو قرمزية تحت السماء المصفرة. وكنت أحس برأسي مثقلا، وأنفاسي سريعة، فأذكرني ذلك المرة الوحيدة التي جربت فيها التوقل في الجبال، وعرفت من هذا أن الهواء أصفى مما هو الآن.
وسمعت صرخة من فوق المرتفع، ورأيت شيئا كأنه فراشة عظيمة تخفق وتذهب صاعدة في الهواء، وتدور وتغيب وراء بعض الكثبان، وقد سرت لصوتها رعدة في بدني، فاعتدلت في سرجي على الآلة، وأدرت عيني فإذا الذي حسبته كتلة من الصخر الأحمر يتحرك ببطء ويدلف نحوي، وتبينت أنه مخلوق هائل يشبه سرطان الماء. وتصوروا سرطانا في مثل حجم هذه المائدة، وأيديه العديدة تتحرك ببطء واضطراب، وأظافره العظيمة تضطرب، ومجساته الطويلة كالسياط تهتز وتتحسس، وعيناه تلمعان وهما تحدجانك على جانبي وجهه المعدني! وكان ظهره مغضنا ومحلى بعقد كثيرة، وعليه في مواضع شتى طبقات خضراء، وكنت أرى ألسنته العديدة وفمه المعقد، وهو يتحسس ويجس إذ يتحرك.
وبينما كنت أنظر إلى هذا الوحش الزاحف نحوي شعرت بشيء على خدي كأنما حطت عليه ذبابة، فذبيتها عني بيدي، ولكنها عادت، وعاد غيرها أيضا، قريبا من أذني، فأهويت عليها بيدي، فعلق بها شيء كالخيط، ولكنها انتزعت من يدي، فالتفت مذعورا، فعلمت أني إنما أمسكت جساسة سرطان آخر ورائي، وكانت عيناه البشعتان تهتزان على جذعيهما، وفمه يتحلب علي، وأظافره العظيمة الملوثة تهبط علي، فأسرعت إلى الرافعة أضغطها، وجعلت بيني وبين هذه الوحوش مسافة شهر، ولكني كنت ما زلت على هذا الشاطئ، فلما وقفت كنت أراهما كأوضح ما يكونان، وكانت عشرات منها تزحف هنا وهنا في الضوء الخافت بين النبات المتوشج.
ولست أستطيع أن أنقل إليكم الإحساس بما كان يغمر الدنيا من وحشة ودروس، فهذا الأفق الشرقي المتوهج، والعتمة الشمالية، والبحر الملح الميت، والشاطئ الصخري الحافل بهذه الزواحف القذرة البطيئة، وهذه الخضرة السامة - في رأي العين - لنبات البحر، والهواء الرقيق الذي يتعب الرئتين ويؤذيهما، كل أولئك كان وقعه مروعا. وقد قطعت مائة عام فلم يتغير المنظر، وبقيت الشمس الحمراء - وكانت أكبر بقليل، وأدنى إلى الهمود - والبحر الميت، والهواء الرقيق والزواحف بين الأعشاب والصخور الحمراء، ورأيت في الغرب خطا متقوسا باهتا كأنه قمر جديد كبير.
وهكذا ظللت أرحل وأقف، بعد فترات تبلغ ألف عام وزيادة، ومصير العالم يجتذبني، وأرقب الشمس تكبر وتخمد، وحياة هذه الأرض العتيقة تنضب، وأخيرا - بعد أكثر من ثلاثين مليونا من السنين - صار قرص الشمس الكبير الأحمر يحجب نحو عشر السماء المظلمة، فوقفت مرة أخرى، فقد غابت الزواحف وصار الشاطئ الأحمر، فيما خلا نباته، لا حياة فيه، وبدت فيه نقط بيضاء، وأصابني برد قارس، وكانت رقائق بيض تتساقط من حين إلى حين، وكان الثلج في الشمال الشرقي يلمع تحت ضوء النجوم الخفاقة في السماء السوداء، وقد رأيت هضبة متموجة بيضاء قرمزية، وكان على شاطئ البحر هوامش من الثلج، أما عباب هذا البحر الملح المخضب بالغروب الأبدي فلم يتجمد بعد.
وتلفت باحثا عن أثر لحياة الحيوان، وكانت بقية من الحذار تلزمني البقاء في سرجي، ولكني لم أر شيئا يتحرك على الأرض ولا في السماء أو البحر، وكان الطحلب على الصخور هو كل ما يدل على أن للحياة بقية لم تندثر، ورأيت كثيبا ناتئا من البحر الذي انحسر عنه، وخيل إلي أني أرى شيئا أسود يتحرك عليه، ولكنه جمد لما نظرت إليه، فاعتقدت أن عيني خدعتني وأن هذا الجرم الأسود صخرة، وكانت نجوم السماء ناصعة الضوء، ولكن ضوءها فيما بدا لي لم يكن خفاق اللمعان.
ورأيت فجأة أن نطاق الشمس الغربي تغير، وأن فجوة ظهرت في قوسه، وأخذت تزداد وتتسع، فحملقت مذهولا من هذا السواد الذي يزحف على النهار، ثم أدركت أن الشمس تدخل في الكسوف، وأن القمر أو المشتري يمر أمام قرص الشمس، وكان طبيعيا أن أحسبه القمر، في أول الأمر، ولكن هناك ما يحملني على الاعتقاد بأن كوكبا آخر كان يمر على مقربة من الأرض.
Bilinmeyen sayfa