İngilizce Hikayelerden Seçmeler
مختارات من القصص الإنجليزي
Türler
وصار لانتصار الإنسانية العظيم الذي كنت أحلم به صورة أخرى عندي، فما كان فوزا للتربية الأخلاقية والتعاون العام كما كنت أتخيل، بل رأيت بدلا من ذلك أرستقراطية حقيقية مسلحة بالعلم، وصلت بالنظام الصناعي الحاضر إلى غايته المنطقية، ولم يكن هذا انتصارا على الطبيعة وحدها، بل عليها وعلى الإنسان معها. ويجب أن أذكر أن هذه كانت نظريتي في ذلك الوقت، فما كان لي مرشد يدلني ويهديني، وعسى أن أكون مخطئا، ولكني ما زلت أعتقد أني مصيب. وحتى إذا سلمنا بهذا الرأي وأخذنا به، فإن من الجلي أن هذه المدنية المتوازنة قد جاوزت الذروة من زمان طويل، وذهبت في الانحدار مسافة طويلة. فقد أفضى الأمن التام بالأعلين إلى الانحطاط البطيء فتضاءلت أجسامهم وقواهم، وذكاؤهم، وكان هذا من أوضح ما شهدت، أما ما كان من أمر الأسفلين فقد كان ينقصني أن أعرفه، على أن ما رأيته من هؤلاء المورلوخ - وهذا هو الاسم الذي يطلق عليهم - حملني على القول بأن تطورهم كان أعمق من تطور النوع العلوي، ذلك النوع الجميل الذي عرفته.
ثم ساورتني الشكوك المتعبة: لماذا أخذ المورلوخ آلة الزمان؟ فقد كنت واثقا من أنهم هم الذين أخذوها. ولماذا لا يستطيع «العلويون» - إذا كانوا هم السادة - أن يردوا علي آلتي؟ وما سر خوفهم الشديد من الظلام؟ وذهبت أستفسر من «وينا» عن هذا العالم السفلي، فخاب أملي، ذلك أنها لم تفهم أسئلتي في بداية الأمر، فلما فهمتها أبت أن تجيبني. وراحت تنتفض وترعد، كأن الموضوع مما لا يحتمل، فلما ألححت عليها بكت - وكانت دموعها بعد دموعي هي الوحيدة التي رأيت عينا تذرفها في ذلك العصر الذهبي - فكففت عن السؤال عن السفليين، وصار همي أن أزجر عينها عن البكاء، وأن أعفيها من مظاهر ميراثها الإنساني، فما لبثت أن ضحكت وصفقت، بينما كنت أنا أشعل عود كبريت. (9) المورلوخ - أو - السفليون
قد تستغربون أني تركت يومين يمضيان قبل أن أقتفي الأثر الجديد، بالطريقة الصحيحة، ولكن الحقيقة أني كنت أنفر من هذه الأجسام الشاحبة؛ فقد كان لها ذلك اللون المربد الكميد الذي نراه في الديدان والأجسام المحفوظة في الكحول في متاحف الحيوان. يضاف إلى ذلك أنها كانت باردة الملمس قذرة، وعسى أن يكون نفوري منها راجعا في الأكثر إلى لطف تأثير العلويين، الذين بدأت أدرك دواعي اشمئزازهم من السفليين.
ولم يكن نومي هنيئا في الليلة التالية، ولعل ذلك لاضطراب صحتي، وقد ألحت علي الحيرة والشكوك، وخامرني - مرة أو مرتين - خوف شديد لا أعرف له باعثا، وأذكر أني تسللت بلا صوت، إلى القاعة الكبرى التي كان العلويون الصغار نائمين فيها في ضوء القمر - وكانت وينا في تلك الليلة بينهم - وقد اطمأن قلبي بوجودهم. وخطر لي حتى في ذلك الحين أن القمر سيدخل في المحاق بعد بضعة أيام، فتسود الليالي، وتعم الظلمة، وتبرز هذه المخلوقات السفلية الكريهة. وكنت في هذين اليومين أكابد من القلق ما يكابده من يعالج أن يدفع واجبا لا مهرب منه، وكنت على يقين من أنه لا سبيل إلى استرداد آلة الزمان إلا بالإقدام على كشف الأسرار المحجوبة في جوف الأرض. ويا ليتني كان معي رفيق! إذن لاختلف الحال جدا، ولكني كنت مستفردا مستوحشا، وكان يهولني أن أنحدر إلى ظلام هذه السراديب. وقد تستطيعون أن تفهموا شعوري، أو لا تستطيعون، ولكني أعترف لكم بأني ما كنت أشعر بالأمن والطمأنينة.
وكان هذا القلق وقلة الاطمئنان هما الباعث، على الأرجح، على الإبعاد في طوافي لارتياد ما حولي، وقد مضيت جنوبا بغرب إلى الهضبة التي تسمى الآن «كوم وود» فأبصرت على مسافة بعيدة، وفي اتجاه «بانستيد» مبنى ضخما أخضر لا يشبه شيئا مما رأيته إلى الآن، فقد كان أكبر من أكبر القصور أو الخرائب التي عرفتها، وكانت واجهته شرقية الطراز، تشبه في لمعتها ولونها الأخضر الباهت بعض المواعين «الصينية»، فأوحى إلي اختلاف المنظر أنه مجعول لغاية أخرى مختلفة، ونازعتني نفسي أن أمضي على سنني حتى أتبين ولكن المغيب كان قد دنا، وكنت قد بلغت هذا الموضع الذي أرى منه البناء بعد لفة طويلة مضنية، فعزمت أن أرجئ الارتياد إلى اليوم التالي وعدت إلى وينا الصغيرة وحفاوتها بي، وملاطفاتها لي، غير أني في الصباح أدركت على أوضح صورة أن شوقي إلى استطلاع كنه هذا القصر «قصر الصيني الأخضر» ليس إلا مظهرا لمغالطة النفس وصرفها، يوما آخر، عما أتهيب الإقدام عليه، فآليت لأنزلن إلى السراديب بلا تلكؤ، وذهبت إلى بئر قديمة من خرائب الصوان والألومنيوم.
وكانت وينا تعدو معي، وترقص إلى جانبي حتى بلغت البئر، فلما رأتني أنحني على فوهتها وأنظر فيها اضطربت، فقلت لها: «وداعا يا وينا الصغيرة.» ثم وضعتها على الأرض، وشرعت أتحسس جوانب الفوهة باحثا عن خطاطيف السلم. وأعترف أني كنت أفعل ذلك بسرعة، فقد كنت أخشى أن ينضب معين شجاعتي، وكانت وينا في أول الأمر ترقبني وهي ذاهلة، ثم أطلقت صيحة جزع وأقبلت علي تجذبني بيديها الصغيرتين، وما أظن إلا أن اعتراضها سبيلي قواني، وجعل عزمي أصح على المضي، فنفضتها عني بشيء من العنف، وبعد لحظة كنت في عنق البئر، وقد رأيت وجهها وما ارتسم عليه من الجزع والألم، ولكنها تبسمت لي تطمئنني. ثم اضطررت أن أصوب عيني إلى ما تحتي لأرى مواقع رجلي على السلم القلق الذي تعلقت به.
وقد انحدرت مسافة مائتي ذراع تقريبا. وكان ذلك بواسطة قضبان معدنية ناتئة من جوانب البئر، ولما كانت هذه مجعولة لمن هم أدق أجساما، وأخف وزنا، فقد أتعبني النزول، ولم يقتصر الأمر على التعب، فقد انثنى أحد القضبان فجأة تحت ثقلي، فكاد ذلك يلقيني في الهوة السوداء، وقد تعلقت لحظة بإحدى يدي، ولم أعد أجترئ بعد هذه التجربة على التماس الراحة وأنا أنزل، وآلمني ظهري وذراعي جدا، ولكني تجلدت وثابرت على الهبوط بأسرع ما أستطيع، وصعدت طرفي فرأيت الفوهة، ورقعة صغيرة من السماء الزرقاء ونجما فيها، وكان رأس وينا الدقيق يبدو كأنه نتوء أسود مستدير، وصار صوت آلة تدور في ناحية ما أعلى وأقوى، وأثقل على النفس، وكان كل شيء ما خلا تلك الرقعة الصغيرة في السماء حالك السواد، فلما صعدت عيني مرة أخرى كانت وينا قد اختفت.
وكنت في عذاب غليظ من قلة الراحة، وطاف برأسي أن أصعد وأترك هذا العالم السفلي، ولكني كنت وأنا أفكر في هذا أواصل النزول. وأخيرا رأيت - وتشهدت حين فعلت - إلى اليمين، وعلى بعد قدم واحدة، فجوة صغيرة في الحائط، فدخلت فيها فألفيتها تفضي إلى سرداب ضيق أستطيع أن أنطرح فيه وأستريح، ففعلت ولما أكد، فقد ألح الألم الذي في ظهري، وصار ظهري يوجعني، وكنت أرعش من طول الخوف من السقوط، زيدوا على ذلك أن الظلمة الطاغية التي لا ينسخها شيء أورثت عيني وجعا شديدا، وكان الجو يدوي فيه ضربان الآلة التي تمص الهواء من عنق البئر.
ولا أدري كم بقيت هكذا، ولكن الذي أدريه أني أفقت على يد طرية تلمس وجهي، فنهضت جالسا في الظلام، ودفعت يدي إلى حيث الكبريت، وأشعلت عودا فرأيت ثلاثة من السفليين - على صورة الذي رأيته في الخرابة من قبل - حانين علي، فلما أضاء النور ذهبوا يتراجعون أمامه بسرعة، وكانت عيونهم لطول ما ألفوا العيش في هذه السواد الحالك كبيرة حساسة، تعكس الضوء. ولم يخالجني شك في أنهم كانوا يرونني في هذا الظلام الذي لا ينفذ إليه شعاع واحد من النور، ولم يكن يبدو عليهم أنهم يخشون مني شيئا سوى هذا النور، وما كدت أشعل عودا حتى لاذوا بالفرار وولوا الأدبار إلى السراديب المظلمة التي كانت عيونهم تطالعني منها بالوميض الغريب.
وحاولت أن أدعوهم إلي، لكن لغتهم كانت، على ما يظهر، غير لغة العلويين، فتركني هذا بغير عون يرجى منهم، فجرى ببالي أن أهرب وأرتد إلى حيث كنت ولا أعني نفسي بالارتياد، ولكني قلت لنفسي «لا بد مما ليس منه بد» وتحسست طريقي في السرداب، فصار صوت الآلة أعلى، ثم تباعدت الجدران فدخلت في رقعة فسيحة، وأشعلت عودا، فإذا بي في كهف واسع ذي عقود، يغيب آخره في ظلام لا يخففه النور الضئيل الذي معي، فلم أر منه إلا بقدر ما يضيء العود.
Bilinmeyen sayfa