227

نعم، إن حديث العشق والصبابة لا ينبغي أن يخلو من هذا، فهو جار في طبيعة العشاق، ولكن موالاة الحزن ومتابعة الأسى الدهر الأطول مما يتجاوز مدى الاحتمال!

على أنه قد كان إلى جانب «الأدوار» الشاكية الباكية، ولكن في رفق وحسن تأميل مثل: لسان الدمع أفصح من بياني - في البعد يا ما كنت أنوح - كادني الهوى وصبحت عليل - أقول لقد كان إلى جانب هذه الأدوار أدوار يشيع فيها الفرح وتقطر منها البهجة من نحو: اليوم صفا داعي الطرب - متع حياتك بالأحباب - أنسك ظهر - يا وصل شرف يا جفا رح عنا - خلي الحبايب بالحياة تتهنا - أفراح وصالك تدعي الناس، للائتناس، والخير على قدوم الواردين - يا طالع السعد افرح لي، دا الحب رح يوفى بوصله - وغير ذلك كثير.

ولقد يكون مرجع هذا إلى ما يطوف بالعالم هذه السنين من طوائف الهم والكرب والضيق، ولكن ذلك لا يعفي الناظمين على أي حال، فهم إن ترجموا بهذا عن الحال العامة، فعليهم إلى جانب ذلك أن يرفهوا عن الناس بعض الشيء، ويتراءوا لهم ولو بصبابات من المنى، فالناس في جهدهم هذا أحوج ما يكونون إلى الترفيه والتأميل! (3)

وهو الأدخل في الموسيقى والأوصل بها، ألا وهو التطور الشديد في التلحين، ولست أدعي العلم بالموسيقى، بالقدر الذي يأذن لي بأن أفيض القول في هذا الباب منها، فذلك من شأن من تحرروا لهذا وحذقوه، ولكن لا أظن أنني أفتئت على الفن إذا زعمت أن الغناء المصري إنما كان يتصرف في قدر محدود من فنون النغم؛ على أنه كان يتصرف فيها في براعة وقوة وسلامة تكاد تشعر المصري أن هذا الغناء الذي يرد على سمعه، إنما هو صدى ما يجري في طبعه، وأنه لو كان خلي إلى نفسه لقال هذا الذي سمع، وهذا الذي يدعونه السهل الممتنع.

أما في العهد الأخير فقد أغارت الموسيقى المصرية على الموسيقات الأخرى، فسبت كثيرا من أنغامها، فاتسعت بذلك رقعتها، وكثرت دروبها، وتشعبت طروقها، وإذا كانت الآذان أو بعض الآذان لم تسترح إليها إلى الآن، فلعل ذلك لأنها ما برحت في طور الترويض والتذليل، ولا أفسح في جوانب القول، فإنني أكره أن أذكي الفتنة بين أنصار القديم وأصحاب الجديد!

وهنالك بعض التطورات الأخرى أرجئ الكلام فيه إلى الشق الأخير، وهو المقصود في الواقع من كل هذا الحديث.

سيداتي، سادتي

بقي الحديث في تلكم المقطوعات التي شاعت في هذا العصر شيوعا هائلا، وأمست تردد بكثرة عظيمة حتى على ألسنة كبار المغنين والمغنيات ما مهدت لهم مجالس الغناء، ولا شك في أنكم عرفتم أنني أعني بها ما يدعى في العرف العام «بالطقاطيق».

واسمحوا لي أن أقول لكم إنني، من الجهة القومية، أصبحت أحتفل للكلام في «الطقاطيق» أكثر من احتفالي لأي ضرب آخر من ضروب الغناء!

نعم، لقد أصبحت مني بهذا الموضع لأنها في الواقع الأغنية الشعبية التي ترددها حلوق الجميع في هذه الأيام: يرددها الرجال في مجالسهم، كما ترددها السيدات في خدورهن، ويرددها الشبان والشابات، والفتيان والفتيات، الأطفال والطفلات، كلهم يرددها على اختلاف المنازل وتفاوت الثقافات، فاللهم إذا كان لشيء من فنون الغناء أثر شديد أو ضعيف، قريب أو بعيد في تكوين الأخلاق، وتربية الأذواق، والدلالة على ثقافة أمة واتجاه ميولها، فهو ولا شك لهذه «الطقطوقة» أكثر من أي شيء آخر.

Bilinmeyen sayfa