وجرى المؤيد طلقا، والله يعلم كم عانى الشيخ علي في إخراجه فردا لا مسعد له من معين أو من مال، الحق أن الرجل قد جاهد في هذا جهاد الجبابرة، وعانى عناء لو صوره القلم على حقيقته لظنه الناس من إحدى القصص التي تمثلها أخيلة الكتاب، وهكذا لم يمض زمن طويل حتى جنى ثمرة الصبر العجيب
إن الله مع الصابرين
صدق الله العظيم.
مضى «المؤيد» يحرره الشيخ علي يوسف، ويرفده بالمقالات البارعة أعيان أهل الرأي والعلم والأدب في البلاد، من أمثال المرحومين: الشيخ محمد عبده، وسعد بك زغلول، وقاسم بك أمين، وفتحي بك زغلول، وحفني بك ناصف، وكثير غيرهم من أصحاب البيان، وكانوا يسرون أسماءهم في الأحاديث السياسية بوجه خاص، فذلك مما لا تأذن به المناصب الحكومية بحال، وكذلك أضحى المؤيد مجالا لأفحل الأقلام وأنضج الآراء، بل لقد أضحى المدرسة التي تخرج عليها من شهدوا الجيل الماضي من أعلام البيان.
ويسير المؤيد، ويذهب صيته لا في مصر ولا في العالم العربي فحسب، بل في العالم الإسلامي كله، فلقد أصبح لسانه المعبر أفصح تعبير عن حقيقة حاله، والمترجم أنصح ترجمة عن آلامه وآماله ، ومتحدث أخبار المسلمين وراويها، وملتقى أفكارهم في قواصي الأرض وأدانيها:
لا يرحل الناس إلا نحو حجرته
كالبيت يفضي إليه ملتقى السبل
وحسبنا هذا القدر الآن في المؤيد وفي صاحب المؤيد، وسنعاود الحديث فيه إن شاء الله تعالى، عسى أن نوفيه بعض حقه إن لم نوفه كل حقه، رحمة الله عليه.
ليس بالطويل البائن ولا بالقصير المتردد، على أنه كان إلى الطول، يظهر في مرأى العين نحيلا هزيلا، ولكنه كان مكتنز اللحم، مستطيل الوجه، واسع مساحة الجبهة، أزرق العينين، طويل الهدبين، كثيرا ما ترى له في إطراقه نظرة غريبة ساجية، ضيق الفم، على أن في شفتيه الحمراوين شيئا من الغلظ، تعلوه صفرة ما أحسبها من أثر مرض، وشعر لحيته الدقيقة المتسقة يميل إلى الشقرة، رفيق الصوت لينه إذا تحدث، فإذا رفع صوته ضمر بعض الضمور، وتسلخ بعض التسلخ، فلم يكن من تلك الأصوات التي تصلح للخطابة.
وكان بعد رجلا شديد العقل، قوي النفس، حديد العزم، وافر الشجاعة، لا تتعاظمه قوة خصم بالغة ما بلغت قوة ذلك الخصم وبأسه، وإذا تحداه متحد ركب رأسه في نضاله لا يبالي أين يقع المصير، وصح فيه قول الشاعر:
Bilinmeyen sayfa