وأطلق السائق التيار فدار المحرك برهة تزيد على الدقيقة، والطيارة ثابتة في موضعها، ثم بعثها فزحفت على الأرض زحفا رفيقا، ثم استحال جريا، وظلت تدور على اليبس، ولما طال ذلك منها قلت لصاحبي؛ لعلنا نبلغ الإسكندرية على هذه الحال برا؟ أفتراها إذن سيارة، أفرغوا عليها هيكل طيارة؟ فضحك صاحبي وقال: أي أرض؟ لأنت والله على جناح الريح، فالتفت وحققت النظر فإذا أنا حقا قد صرت بين الأرض والسماء من حيث لم أشعر!
ولقد كان يخيل إلي أن الطيارة ثابتة في موضعها من الجو، لولا أنني كلما تشرفت من النافذة رأيت البيوت تصغر وتدق، حتى إذا جزنا بحينا في حلمية الزيتون بانت لي المنازل في أحجام الرجام، ففسد علي كل ما أعددت لملاعبة أولادي، وقد واعدوني أن يطالعونا من سطح الدار.
ونسيت أن أقول لك إنني حينما دعيت إلى ظهور
6
الطيارة، تفقدت شيئا مهما جدا، وخاصة في هذه الرحلة فلم أجده، وكيف لي بإصابة ما لم يكن، ووجدان ما لم يخرج بعد إلى الوجود، ذلك بأنني تعودت إذا ركبت القطار أو السيارة أن أقرأ حزب البر، فإذا علوت السفين قرأت حزب البحر، فمن لي اليوم بحزب الهواء؟ لقد اشتد وجدي لهذا وكظ الهم صدري حتى كان يفرق أضلاعي!
يا قوم: لا أسألكم أن تصنعوا لنا سيارة تنهب الأرض نهبا، ولا طيارة تطوي الجو طيا، فلقد وفر الغرب عليكم هذا وكفاكم المئونة فيه، ولكنني أسألكم أن تؤلفوا لنا حزبا للهواء، نستعصم ببركته كلما عرجت
7
بنا الطيارة إلى السماء!
شعور
فإذا طلبت شعوري من ساعة استويت إلى مجلسي في الطيارة، فذلك مما يعيي تصويره على القلم: خطرة خوف ووهل
Bilinmeyen sayfa