2 - وحدثني هارون بن ملول، قال:
((كنت عند أحمد بن خالد الصريفي -وهو يتولى الخراج بمصر، ووجوهها عنده، وقد أكب على حاصل ما استخرج في أمسه، وهو يقابل به ثبت المصادرة-، فقال لصاحب حمالته: ((ما أرى اسم فلان المتضمن في هذا الحاصل، وقد صادرنا بالأمس على خمس مائة دينار؟)) فقال: ((ما صح له شيء!)) فقال: ابعث إليه من يسحبه صاغرا حتى يحمله على خطة المطالبة))، فقال له رجل من المتضمنين يعرف بما شاء الله بن مرزوق: ((الخمس المائة -أيدك الله- تصح لهذا الرجل في هذه العشية إن شاء الله، إن أعفى مما قد أمرت به فيه))، فقال: ((هي عليك؟))، فقال: ((نعم!))، فتقدم إلى صاحب الحمالة ألا يعرض له، فالتفت إلي ما شاء الله فقال: ((تعرف هذا الرجل؟))، فقلت: ((نعم! ومن العجب ألا تعرفه!))، فقال: ((يا أخي أمر في رجل يجري مجرانا في معاشنا بما لم أطق والله احتماله، وعندي ضعف ما طولب به، وكانت صيانته أحب إلي مما حويته. فإذا لقيته فعرفه أني أورد المال عنه لئلا يورد المال مضعفا)).
وانصرفت من مجلس أحمد بن خالد، فلقيت الرجل في طريقي، وهو مجدود، فسألته عن خبره وأخبرته الخبر، فقال: ((يا أخي! وما في هذا من #8# الفرج؟ إنما انتقلت من غم إلى رق! ومتى أقضي إلى هذا الرجل إحسانه إلي؟ والله لوددت أن أمر السلطان نفذ في، ولم أتحمل هذه العارفة منه!)).
قال أحمد بن يوسف، فقال لي هارون: ((وحضرت [موت] ما شاء الله بن مرزوق بعد هذا بأربع سنين -في الوقت الذي توفي- فاتفق أن كان إلى جانبي رجل قد ألقى بعض ردائه على وجهه، وهو يعج بالبكاء والشهيق، ثم كشف وجهه فكان الرجل الذي أورد ما شاء الله عنه الخمس مائة الدينار. فقال: ((من الوصي من جماعتكم))، فقال له الوصي: ((هأنذا!))، فقال: ((عندي لهذا الرجل رحمه الله ألفا دينار وخمس مائة دينار، فقلت له: ((حدثت بينكما معاملة بعدي؟))، فقال: ((لا والله، ولكنها الخمس مائة الدينار، صرت بها إليه عند تيسرها فقال: ((وما [أبغي بها]؟ تكون عندك إلى أوان حاجتي إليها)). فسألته [الإذن] في شغلها. فقال: ((هو مالك، اعمل به ما شئت)) فلم تزل تنمي وتزيد حتى بلغت هذا المقدار. فقال هارون: ((ووجدت ما خلفه ما شاء الله لبنات كن معه شيئا نزرا، فجبرهن الله بذلك المال)).
Sayfa 7