الدكتور محمود محمد الطناحي الموجز في مراجع التراجم والبلدان والمصنفات وتعريفات العلوم الطبعة الأولى ١٤٠٦هـ - ١٩٨٥م

Bilinmeyen sayfa

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء وسيد المرسلين. اللهم وصلى وسلم وبارك عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته أجمعين، ومن دعا بدعوته، واهتدى بهديه إلى يوم الدين. وبعد: فهذا دليل موجز، إلى أبرز مراجع تراجم العلماء، والأدباء، والمصنفين في كل فن فنون التراث العربي، على اختلاف مناهج هذه المراجع، مع ذكر شيء من كتب الضبط والتقييد، وكتب البلدان (الجغرافيا)، ومراجع الكتب والمصنفات (المراجع الببليوجرافية) التي تعين على رصد حركة التأليف العربي، ومعرفة مساره عبر القرون والأزمان، وكتب تعريفات العلوم ومصطلحاتها. وقد وضعت هذا الدليل الموجز لطلبة الدراسات العليا (١)، الذين يؤودهم جمع مادتهم التاريخية، والتهدى إلى توثق الكتب والمصنفات، من مصادرها ومظانها. ولقد كنت أسأل بين الحين والحين عن شيء من ذلك، فأجيب بما يفتح الله به علي، ومع كثرة السؤال كنت أجد أسى، وأحس ألمًا لما تردى فيه طلبة العلم، من جهل بتاريخ أمتهم، وعلومها _________ (١) بدأت في إلقاء محاضرات هذا العلم، على طلبة قسم الدراسات العليا العربية، بجامعة أم القرى بمكة المكرمة، زادها الله، وزاد بيتها العظيم تشريفًا وتكريما ومهابة، فإلى جامعة أم القرى الفضل بعد الله تعالى، في كتابة هذا الدليل.

1 / 7

وآدابها ومعارفها، وتبوءُ بإثمه مناهج الدراسة في جامعاتنا العربية، التي لا تكاد تعنى بإبراز هذا الجانب وتجليته، إلى أسباب أخرى من القهر والمسخ والتشويه، وتفريغ العقول التي يتعرض لها أبناؤنا فيما يقرأون وفيما يسمعون. نعم، لقد تعرض أبناء هذا الجيل لسيل طاغ وموجات متلاحقة، من التشكيك في ثراتهم وأيامهم: فالشعر الجاهلي غموض وانتحال، وتفسير القرآن مشحون بالإسرائيليات، والحديث ملئ بالوضع والضعف، والنحو تعقيد وتأويلات، والصرف فروض ومتاهات، والبلاغة تكلف وأصباغ، والعروض قيود ودوائر تدير الرأس، والتاريخ صنع للحكام والملوك، ولم يرصد نبض الشعوب وأشواقها (١) . ومن وراء ذلك كله، فاللغة العربية عاجزة عن مسايرة ركب الحضارة؛ لقصورها عن التعبير عن العلوم التطبيقية والكونية؛ لأنها لغة شعر وبيان. يسمع أبناؤنا هذا كله عاليًا مدويا، وتتجاوب أصداؤه المترنحة من أحلاس المقاهى، إلى قاعات الدرس الجامعي، ولا يستطيع الشباب لذلك دفعًا ولا ردًا؛ لغرارتهم وجهلهم وقلة حيلتهم؛ ولأن كل هذه السموم إنما تساق في ثياب مزركشة، من المنهجية والموضوعية، والتفكير العلمي، وحركة التاريخ، والموقف الحضاري، والشمولية. ولا يعرف أثر هذه الألفاظ الغامضة المبهمة إلا من ابتلى بشرها، وصلى جمرتها، _________ (١) وبمثل هذه الألفاظ الخادعة البراقة يستميلون الشباب، ويوقعونهم في قرار مظلم من الافتتان الكاذب، والشك الموبق.

1 / 8

ووجد مسها، وكل ذلك عرفت، إذا كنت في طراءة الصبا وأوائل الشباب، تستهويني هذا الأضاليل، وتتلعب كتلعب الأفعال بالأسماء، على ما قال أبو تمام، وأحسب أن كثيرًا من أبناء جيلي قد وقعوا في هذا المهوى السحيق. وكان أكثر هذه الأصوات دويا، وأشدها فتكا، تلك التي انبعثت من داخل درس الأدب في جامعاتنا العربية. فمن خلال الثرثرة حول نظريات غربية في الأدب، وتطويع الأدب العربي، وإخضاعه لها، وتطاير شرر كثيرة، حاول أن يأتي على تراث عربي عريق للكلمة العربية؛ شعرًا منظومًا حمل أنغامًا جليلة، وكلامًا منثورًا أبان عن أدق أسرار النفس وخلجات الروح. ثم كان أن غرق طلبة العلم في قضايا فارغة، بدءًا من الوحدة الموضوعية والمعاناة، والتجربة الشعرية، وتراسلا الحواس، والمونولوج الداخلي، والدفقة الشعورية، والتعبير بالصورة، والألفاظ الموحية، والشعر المهموس (١)، وأدب الفرض والعبث، وانتهاءً بالحداثة والمعاصرة، التي تشغل بالهم هذه الأيام. وكانت المحنة فيما أثير حول "الرمز" في الأدب، الذي ألقى سدولًا كثيفة كئيبة على البين الذي هو أشرف ما وهبه الله للإنسان، وخضع النص الأدبي تحليلًا ودرسًا لتلك الرموز" اليونانية المتمرغة في أوحال الأساطير، وهي رموز وثنية المنابت والأصول تجعل الحياة البشرية _________ (١) يقول الدكتور عبده بدوي: "لقد أسلمنا " الشعر المهموس " إلى الشعر المكبوت، بحيث تحول الشعر في جانب منه إلى تخرصات وأوهام وتنهدات، وهذيان حواس، وسيولة لفظية وفكرية معًا". مقدمة كتاب دراسات في النص الشعري.

1 / 9

جحيمًا مستعرًا من الخطايا والذنوب والآثام، وتحليل الهم الشريف ظلمة مطبقة على القلب والنفس، والقلق السامي تدميرًا لبنيان الله الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، ﷾" على ما قال شيخنا محمود محمد شاكر (١) . والرمز عنده ضرب من الجبن اللغوي. يقول حفظه الله: "فاللغة إذا اتسمت بسمة الجبن كثر فيها "الزمر" وقل فيها الإقدام على التعبير الصحيح الواضح المفصح. ولا تقل إن "الكناية" شبيهة بالرمز، فهذا باطل من قبل الدراسة الصحيحة لطبيعة "الزمر" وطبيعة "الكناية". و"المجاز". وأنا أستنكف من "الرمز" في العربية؛ لأن للعربية شجاعة صادقة في تعبيرها، وفي اشتقاقها، وفي تكوين أحرفها، ليست للغة أخرى. وإذا كانت اللغة هي خزانة الفكر الإنساني، فإن خزائن العربية قد ادخرت من نفيس البيان الصحيح عن الفكر الإنساني، وعن النفوس الإنسانية، ما يعجز سائر اللغات، لأنها صفيت منذ الجاهلية الأولى المعرفة في القدم، من نفوس مختارة بريئة من الخسائس المزرية، ومن العلل الغالبة، حتى إذا جاء إسماعيل نبي الله، ابن إبراهيم خليل الرحمن، أخذها وزادها نصاعة وبراعة وكرما، وأسلمها إلى أبنائه من العرب، وهم على الحنيفية السمحة دين أبيهم إبراهيم، فضلت تتحدر على ألسنتهم مختارة مصفاة مبرأة، حتى أظل زمان نبي لا ينطق عن الهوى، ﷺ، فأنزل الله بها كتابه بلسان عربي مبين، بلا رمز مبنى على الخرافات والأوهام، ولا ادّعاء لما لم يكن، ولا نسبة كذب إلى الله، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. فمن أجل ذلك كرهت _________ (١) أباطيل وأسمار ص ٣٧٢.

1 / 10