... ومؤمن ليس له درهم ... ... ... يزداد إيمانا على فقره فكان الرد عليهم جميعا واحدا، فإن رجعوا وقالوا: إنها تدل بحدوثها على حدوث من حلت به ووصف بها، قلنا: من جعلها دالة على حدوث الموصوف بها؟ فإن زعموا أن العباد تولوا ذلك منها، قلنا: فالعباد إذن محمودون على أن جعلوا أفعالهم تدل على حدوث الأجسام وإبطال قدمها، فإن هم أجابوا إلى ذلك، قلنا: أفيجب على ذلك للعباد الحمد وحسن الثناء؟ فإن قالوا: نعم، قلنا: فينبغي أن يكون العاصون محمودين على معاصيهم التي هي حركاتهم وسكونهم؛ حيث جعلوها دلالة على حدوث أجسامهم، فإذا قالوا: نعم، أبطلوا على العاصين الذم، وأدخلوها في باب الحمد والثناء، فإن قالوا: لا يجب الحمد للعاصين، وليسوا هم الذين جعلوا أفعالهم دالة على حدوث أجسامهم فيحمدون على ذلك، قلنا: من جعلها إذن تدل على حدوث من قامت به ووصف بها؟ فلا يجدون إلا أن يقولوا إن الله جعل هذه الأفعال من حركات العباد وسكونهم، واجتماعهم، وافتراقهم دالة على حدوث أجسامهم، وجعل ذلك دلالة على وحدانيته جل ثناؤه وربوبيته (¬1) ، كما جعل سائر الأفعال من الأشياء كذلك، إذ كانت الأشياء متساوية في وجه الدلالة على الله جل جلاله.
¬__________
(¬1) توحيد الربوبية: الإقرار بأنه خالق كل شيء، وأنه ليس للعالم صانعان متكافئان في الصفات والأفعال، وهذا التوحيد حق لا ريب فيه، وهو الغاية عند كثير من أهل النظر. وهذا التوحيد لم يذهب إلى نقيضه طائفة معروفة من بني آدم، بل القلوب مفطورة على الإقرار به أعظم من كونها مفطورة على الإقرار بغير الموجودات، كما قالت الرسل فيما حكى الله عنهم: (قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السماوات والأرض) سورة إبراهيم آية، رقم 10. راجع العقيدة الطحاوية 1: 9، وفتاوى ابن تيمية، ط الرياض.
Sayfa 23