وجب أن يجعل للشمس يدين يسارا ويمينا، فإذا جعلنا لشيء يسارا ويمينا وجب أن نجعل له رأسا ووجها وغير ذلك، وقال الله جل جلاله: {والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم} (¬1) ، وقد علمنا أن الله لم يعن يمينا ولا شمالا، ولو كان الكلام يوجب أن نأخذ بظاهره، وندع باطنه لكانت الآية خاصة في كل من له يمين دون الأقطع من أصل المنكب، وكذا قال الله لنبيه _صلى الله عليه وسلم_: {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط} (¬2) ، ولم يرد الله بذكره هذا اليد المركبة في بدنه، وإنها نهاه عن البخل، والسرف جميعا؛ لأن هذا النهي قد وقع على الأعسم (¬3) ، وعلى الأجذم (¬4) ، وعلى من لا يد له إذا كان ذا جدة، وعلى هذا المعنى قالت اليهود: {يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا} (¬5) ، وليس أن اليهود من دينها ومن اعتقادها أن لله يدا كأيدينا، وأنها مغلولة إلى عنقه على مثال الغل الذي نعرف، وقال الشاعر يهجو رجلا:
بسط اليدين بما في رجل صاحبه ... ... ... جعد اليدين بما في رجله قطط
فالعرب تذكر اليد والكف والذراع والباع، وهي تريد غير ذلك، قال الشاعر:
له نار تهب كل ريح ... ... ... إذا الظلماء جللت القناعا
وما إن كان أكثرهم سواما ... ... ... ولكن كان أرحبهم ذراعا
¬__________
(¬1) سورة النساء آية رقم 24.
(¬2) سورة الإسراء آية رقم 29.
(¬3) العسم: يبس في المرفق والرسغ، تعوج منه اليد والقدم، ويطلق على انتشار رسغ اليد من الإنسان. راجع لسان العرب .
(¬4) جذم الرجل صار (أجذم)، وهو المقطوع اليد، وبابه طرب، وفي الحديث: "من تعلم القرآن ثم نسيه لقي الله وهو أجذم"، والجمع (جذمى) مثل حمقى، والجذام: داء، وقد جذم الرجل بضم الجيم فهو مجذوم، ولا يقال أجذم.
(¬5) سورة المائدة آية رقم 64.
Sayfa 146