فأخبر أنه عال عليه، وحافظه، ومقيم له، ومانع له من الزوال، وقوله: عرشه (كرسيه) كقولك بيته، ولو كان متى ذكر كرسيا وعرشا وجب الجلوس عليهما، كان متى ذكر بيته فقد وجب أنه ينزله ويسكنه، وليس بين بيته وعرشه وكرسيه وسمائه فرق، ولو كنا إذا قلنا سماؤه فقد جعلناه فيها، كنا إذا قلنا أرضه فقد جعلناه فيها، قال الله: {من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكائيل فإن الله عدو للكافرين} (¬1) ، فأدخلهما في جملة الملائكة، ثم أبانهما إذ كانا بائنين من بين سائر الملائكة، وقال: {فيهما فاكهة ونخل ورمان} (¬2) ، وكذلك سبيل القول في العرش وفي الكرسي، والسماء دون الأرض، والحوت والثرى وما تحت الثرى، ومتى ما ذكر أنه عال على العرش، وظهر عليه فقد أخبر أنه عال على كل شيء، فمرة يذكر العرش، ومرة يذكر الكرسي دون العرش، ومرة يذكر السماء دون الأرض، ومرة يذكر السماء والأرض جميعا، ومرة يقول: {وهو الله في السماوات وفي الأرض} (¬3) ومرة: {وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله} (¬4) ، ومرة يقول: {أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض} (¬5) ، وترك ذكر الأرض، فلو كان إذا ذكر السماء دون الأرض كان ذلك دليلا على أنه ليس في الأرض، كان في ذكره أنه على العرش دليل على أنه ليس في السماء، وقد قال: {أم أمنتم من في السماء} (¬6) فمرة يذكر معاظم الأمور، وجلائل الخلق وكبار الأجسام وأعالي الأجرام، ومرة يذكر كل شخص حيث كان وأينما كان بقوله: {ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا} (¬7) وقال: {ونحن أقرب إليه من حبل الوريد} (¬8) ، {
¬__________
(¬1) سورة البقرة آية رقم 98.
(¬2) سورة الرحمن آية رقم 68.
(¬3) سورة الأنعام آية رقم 3.
(¬4) سورة الزخرف آية رقم 84.
(¬5) سورة الملك آية رقم 16.
(¬6) سورة الملك آية رقم 17.
(¬7) سورة المجادلة آية رقم 7.
(¬8) سورة ق آية رقم 16..
Sayfa 129