فهذا اختلافهم في الأمر الذي أثبتوه في القدم، ثم يختلفون في الموضع الآخر من صفة معبودهم؛ وهو اختلافهم في أمر المسيح، فتقول الملكنية: إن المسيح أقنوم واحد وطبيعتان: طبيعة ناسوتية، وطبيعة لاهوتية (¬1) وتقول اليعقوبية (¬2) : المسيح أقنوم واحد وطبيعة واحدة، حدثا عن أقنوم إنسي، وطبيعة إنسية، وأقنوم لاهوتي، وطبيعة لاهوتية، اتحدا فصارا أقنوما واحدا، وطبيعة واحدة. وقالت النسطورية (¬3) :
¬__________
(¬1) يضيف ابن حزم قولهم: "إن عيسى عليه السلام إله تام كله وإنسان تام كله، ليس أحدهما غير الآخر، وأن الإنسان منه هو الذي صلب وقتل، وأن الإله منه لم ينله شيء من ذلك، وأن مريم ولدت الإله الإنسان، وأنهما معا شيء واحد ابن الله. قاتلهم الله أنى يؤفكون، وكبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا". الفصل 1: 111.
(¬2) اليعقوبية: فرقة مسيحية تنسب إلى يعقوب، وهي إحدى فرق ثلاث اختلفت حول طبيعة المسيح. عاش اليعاقبة في مصر والنوبة والحبشة، يدور مذهبهم على القول بأن المسيح هو الله والإنسان، اتحدا في طبيعة واحدة هي المسيح، واشتغل كثير منهم في ظل الإسلام بنقل الفلسفة اليونانية، وكتبها إلى السريانية ثم إلى العربية، ولقوا من الخلفاء المسلمين كل تشجيع وتقدير، فكان لذلك أثره في تاريخ الحياة العقلية الإسلامية، ولا سيما من الناحيتين الكلامية والفلسفية. المصدر السابق 111، 112، والموسوعة العربية الميسرة.
(¬3) النسطورية: تنسب إلى (نسطور) الذي كان بطريرك القسطنطية عام 431م، ويقال (نسطور الحكيم)، وقد تصرف في الأناجيل وأضاف إليها.
يقول (نسطور) شارحا مذهبه:
إن مريم لم تلد إلها؛ لأن ما يولد في الجسد ليس إلا جسدا، ولأن المخلوق لا يلد الخالق، فمريم ولدت إنسانا ولكن كان إلها للاهوت، وعلى هذا لا تسمى (مريم) والدة إله، بل والدة (المسيح) الإنسان، وقد جاء اللاهوت لعيسى بعد ولادته، أي أن عيسى اتحد بعد الولادة بالإقنوم الثاني اتحادا مجازيا، فمنحه الله المحبة، ووهبه النعمة، وقد اتخذت الكنائس موقفا معارضا من آراء (نسطور)، وعلى الرغم من طرده من منصبه فإن مذهبه لم يمت بل انتشر في الشرق، وهو منتشر في شمال العراق والجزيرة.
ويقول (نسطور): إن الله واحد ذو أقانيم (الوجود والعلم والحياة)، وهي ليست زائدة على الذات ولا هي هو، واتحدت الكلمة بجسد (عيسى) لا على طريق الامتزاج (كما قالت الملكانية)، ولا على طريق الظهورية (كما قالت اليعقوبية)، ولكن كإشراق الشمس في كوة أو على بلور، أو كظهور النقش في الخاتم. راجع الملل والنحل 2: 64، ودائرة معارف القرن العشرين 10: 183، والمدخل إلى دراسة الأديان والمذاهب 1: 234.
Sayfa 106