وجد بكيديس في قتل يوناتان وسمعان أخيه، ففرا إلى تقوع في عبر الأردن، فلحقهما بكيديس والتحم القتال واتصل يوناتان إلى بكيديس ومد يده ليضربه، فانصاع إلى الوراء فأفلت ولكن قتل من جنوده ألف رجل، فعاد بكيديس إلى أورشليم وحصنها وعدة مدن أخرى، وأمر الكيمس الحبر الخئون أن يهدم حائط قدس الأقداس، فضربه الله باعتقال لسانه ومات بعذاب أليم سنة 160ق.م، فعاد بكيديس إلى الملك، ومعه رهائن من اليهود فهدأت أرض يهوذا سنتين، ثم ائتمر بعض المارقين من اليهود، وأرسلوا وفدا إلى بكيديس حمله على العود إلى أورشليم بجيش كثيف، وكتب إلى نصرائه أن يقبضوا على يوناتان فانصرف هو وأخوه سمعان إلى بيت حجلة (عين حجلة قرب أريحا)، وحصنها فقصده بكيديس بعسكره، وحاصر بيت حجلة أياما فاستظهر المكابيون عليه وضايقوه فاستشاط غيظا ممن حملوه على العود إلى أورشليم، وعقد صلحا مع يوناتان وحلف له أنه لن يطلبه بسوء كل أيام حياته ورد إليه الأسرى، وعاد إلى أنطاكية واستولى الأمان في بني إسرائيل وأخذ يوناتان يحاكم الشعب ويستأصل المارقين (مكا 1 ف9).
وعكف ديمتريوس على ملاذه ومعاقرة الخمرة، وما تجر إليه وأنف الاهتمام بمهام المملكة، فكانت عليه مؤامرة دخل بها بتولمايس ملك مصر لخلاف بينه وبين ديمتريوس على قبرس، وأثار ملك برغام وأريارات ملك الكبادوك لمحاربة ديمتريوس لهما، وأوعزا إلى هركليد خازن أنطيوكس إبيفان أن يجد رجلا يدعي أنه ابن أنطيوكس إبيفان، وينازع ديمتريوس الملك، فوجد رجلا اسمه بالا أهلا لما اختير له، وقال بعضهم: إنه كان ابن أنطيوكس إبيفان حقا (سترابون ف13 ويوسيفوس ك13 فصل 2)، وأقر له الملوك الثلاثة المذكورون أنه ابن أنطيوكس ونال من الندوة الرومانية كتابا يخولونه به أن يعود إلى سورية، ويسترد ملكه ووعدوه بالمعاونة له، فرجع إلى سورية وحشد جنودا واستحوذ أولا على عكا، وسمى نفسه إسكندر وانضم إلى رايته كثيرون (بوليب ف33 ف16)، وكان ذلك سنة 153ق.م.
وكان ما مر عناية ربانية باليهود؛ لأن الملك إسكندر لحاجته إلى مناصرين كتب إلى يوناتان مسميا إياه أخاه، وسأله أن يكون له وليا ونصيرا وأقامه رئيس أحبار في أمته، وأرسل إليه أرجوانا وتاجا من ذهب مما لا يلبسه إلا الملوك، واستمرت هذه الرياسة في ذرية المكابيين إلى أيام هيرودس، وعلم ديمتريوس الملك بما أجراه إسكندر ليوناتان، فأراد أن يزيد عليه نعمه ليستميله إليه، فكتب إليه معظما له وعافيا اليهود من كل ضريبة وجزية ومكس، ووهب عكا وما يليها للهيكل وجعل نفقة البناء والترميم في الهيكل، وأسوار أورشليم من خزينة الملك، فلم يثق يوناتان ولا الشعب بهذه الوعود، وآثروا إسكندر على ديمتريوس وتسعرت الحرب بين الملكين مدة ثلاث سنين، وكان الملوك الثلاثة المذكورون ينجدون الملك إسكندر، فظهر على ديمتريوس وقتله بالحرب، واستتب الملك لإسكندر سنة 150ق.م، وكانت مدة ملك ديمتريوس 12 سنة (إسترابون ك16 فصل 2 ويوسيفوس ك13 ف2 ومكا1 ف10). (13) تتمة أخبار الملك إسكندر بالا
إن الملك إسكندر بالا كتب إلى بتلمايس ملك مصر يطلب إليه أن يزوجه بنته فلوبطرة، فأجابه بتلمايس إلى ما طلب وأتى بابنته إلى عكا، فزفها إلى الملك إسكندر، ودعا الملك إسكندر بوناتان إلى العرس، وبالغ في التجلة له ووشى به بعض المارقين من بني إسرائيل، فلم يصغ الملك إليهم بل ألبسه أرجوانا وأجلسه بجانبه وأخرجه إلى وسط المدينة، وجعل منادين ينادون أن لا يتعرض أحد لأمره، وجعله قائدا وشريكا في الملك، وروى يوسيفوس (ك2 من رد مزاعم إبيون) أن أونيا بن أونيا الثالث لجأ إلى بتلمايس فيلوباتر؛ ليأذن ببناء هيكل في مصر كهيكلهم في أورشليم، فأذن به وبأن تكون الرياسة في هذا الهيكل لأونيا المذكور، فقاومه اليهود بأن سنتهم لا تبيح بناء هيكل في غير أورشليم، فحجهم بنبوة إشعيا (ف9 عدد 18) «في ذلك اليوم يكون مذبح للرب في داخل أرض مصر.»
وعكف الملك إسكندر على ملاذه، وغفل عن مهام المملكة، فكثر الأنين منه وكان ديمتريوس بكر ديمتريوس الأول فارا إلى إكريت، فانتهز هذه الفرصة وأتى إلى قيليقية ولبى قوم دعوته، فاستحوذ على هذه البلاد، فصحا إسكندر من سكر غفلته وسار بجيش لقتال ديمتريوس، وكتب إلى حميه بتلمايس ملك مصر أن ينجده، واستمر يوناتان على إخلاصه بالطاعة للملك إسكندر، وكان ديمتريوس أعاد أبولينوس إلى ولاية سورية، فحمل يوناتان على القتال، فخرج من أورشليم بعشرة آلاف رجل، وتبعه أخوه سمعان، فحاصر يوناتان وفتحها وكانت موقعة بينه وبين أبولينوس انتصر بها يوناتان على جيشه، ففروا إلى أشدود، ودخلوا بيت داغون فأحرقه يوناتان والمدينة وضواحيها، وكان عدد القتلى منهم ثمانية آلاف رجل، فبعث الملك إسكندر إلى يوناتان عروة من ذهب، ووهب له عفرون وتخومها.
أما بتلمايس ملك مصر فسار إلى سورية بجيش كثيف، وسفن كثيرة مظهرا إنجاد صهره، ومبطنا التقام مملكته، ففتحت له مدن سورية أبوابها، فاستحوذ على المدن الساحلية إلى سلوقية (السويدية)، ودخل أنطاكية ووضع على رأسه تاجين تاج آسيا وتاج مصر، وبلغ ذلك إلى إسكندر وهو بقيليقية فخف لقتال حميه بتلمايس، وتسعرت نار الحرب بينهما، فدارت رحاها على الملك إسكندر، وفر إلى أحد أمراء العرب، فقطع رأسه وأرسله إلى بتلمايس، لكن بتلمايس لم يعش بعد ذلك إلا قليلا، وقضى الملكان سنة 146، وعلى رواية أخرى سنة 145ق.م، واستتب الملك لديمتريوس الثاني. (14) في ديمتريوس الثاني وما كان في أيامه
هو ابن ديمتريوس الأول استتب له الملك سنة 145ق.م، لكنه أساء المسعى منذ بدء ملكه؛ لأنه أمر بقتل الحرس الذي كان بتلمايس ملك مصر قد أقامهم في سورية، فحنق منه الجنود المصريون الذين هزموا عدوه الملك إسكندر حتى اتصل هو إلى الملك فغادروه وقفلوا إلى مصر، وأخذ يقتص بالقتل أو التنكيل من كل من خالفه أو خالف أباه، وترك السواد الأعظم من جنوده، ولم يبق عنده إلا جنود أتوا معه من إكريت وبعض الأجانب، فمقته الشعب وعاداه الجنود الذين أعدمهم رزقهم.
ورأى يوناتان استتباب الراحة باليهودية، فحاصر قلعة أورشليم لينقذ شعبه من مضايقة الحامية التي كانت بها، فاستشاط ديمتريوس غضبا عليه، وأسرع إلى عكا وكتب إلى يوناتان أن يكف عن حصار القلعة ويبادر إليه، فأبقى الحصار وشخص إليه بهدايا وتقادم نفيسة فاسترضاه وأقره ديمتريوس على رياسته واختصاصاته، وعفا اليهودية والمدن الملحقة بها من السامرة من الجزية وغيرها من الضرائب، وترى رسالته بذلك مثبتة في سفر المكابيين الأول (ف11)، وعاد ديمتريوس إلى أنطاكية ومعاقرة الخمرة والانكباب على المعاصي.
فانتهز تريفون (الذي كان الملك إسكندر بالا قد أقامه على تدبير المملكة بغيابه)، فرصة مقت الشعب والجنود لديمتريوس، وسار إلى أمير العرب الذي كان عنده أنطيوكس بن إسكندر بالا، فأتى به إلى أنطاكية، وانضوى إليه أعداء ديمتريوس الكثيرون ونادوا به ملكا، فأرغم ديمتريوس أن يفر من أنطيوكس، وأجلسوا أنطيوكس على منصة الملك، فكان السادس بهذا الاسم ولقبوه ثاوس الإله، وكان ذلك سنة 144ق.م، وسترى أن ديمتريوس عاد إلى الملك. (15) في ما كان في أيام أنطيوكس السادس
إن ديمتريوس كان قد أخلف وعوده لليهود، فاتخذ تريفون مدبر أنطيوكس ذلك وسيلة ليستميل يوناتان إلى محازبة الملك، وجعله يكتب إليه أنه أقره في رياسته، وأقامه على اليهودية وملحقاتها وأباح له أن يشرب بآنية من ذهب ويلبس الأرجوان، وأقام سمعان أخاه قائدا للجيش من صور إلى تخوم مصر، وخرج يوناتان إلى عبر الأردن، فجهز عسكرا كبيرا قسمه قسمين قاد هو فريقا وأخوه سمعان فريقا آخر وأدوا الملك خدمات تذكر فتشكر، وجال يوناتان في البلاد إلى دمشق فالتقاه قادة جيش لديمتريوس عند بحيرة طبرية فناوشوه القتال، وأكمن له فريق في الجبل فانهزم الأكثرون من رجال يوناتان فجثا مصليا، ثم استأنف القتال بمن بقي معه فانتصر على أعدائه، ولما رأى ذلك من فروا من رجاله عادوا لمعاونته، وقتلوا منهم في ذلك اليوم ثلاثة آلاف رجل.
Bilinmeyen sayfa