ومات بتولمايس فيلدلفوس بعد عوده من سورية بسنتين أي: سنة 247، ولما بلغ نعيه أنطيوكس طلق ابنته برنيس، واسترد امرأته الأولى لاوذيقة مع أبنائها، وخافت أن يطلقها ثانية ويسترد برنيس فيخسر أبناؤها حق الملك بحكم الشرط مع بتولمايس، فدست سما لأنطيوكس قضى به سنة 246، وأخفت موته وأذاعت باسمه أمرا بأن يخلفه بكره سلوقس، وأرادت إهلاك ضرتها برنيس ففرت إلى برج بدفنة (قريبة من أنطاكية)، فاغتالها من قامتهم لوذيقة لحراستها، وقتلوا ابنها أيضا، وتمت بذلك نبوة دانيال (ف11 عدد 6)، حيث قال: «وبعد انقضاء سنين يتعاهدان (أي: ملك الجنوب وملك الشمال بتولمايس وأنطيوكس)، وتأتي بنت ملك الجنوب إلى ملك الشمال للمسالمة، لكنها لا تملك قوة الذراع ولا يقوم لها نسل.»
ولما ذاع خبر الخفر على برنيس بدفنة رق لمصابها كثيرون، وأرسلوا جيشا لإنقاذها، وسارع أخوها بتولمايس إفرجات بعسكر جرار لإنقاذ أخته وابنها، ولكن قد سبق السيف العزل فتشفى بتولمايس من غيظه بقتله لوذيقة، واستيلائه على سورية وفيليقية، ثم عبر الفرات واستحوذ على مدن ما بين النهرين، واضطر أن يعود إلى مصر فأقام في أنطاكية أحد قادة جيشه يلي ما ملكه إلى جبل طورس، وآخر يلي ما وراءه وعاد إلى مصر موقرا بغنائم. (6) في سلوقس الثاني والثالث
سلوقس الثاني هو ابن أنطيوكس الثاني ملكته أمه بعد إماتتها أباه، ولما عاد بتولمايس إلى مصر جهز سلوقس أسطولا؛ ليسترد إلى طاعته المدن التي أخذها بتولمايس، فثار عاصف شديد غرق سفنه وعسكره ونجا بنفسه مع بعض حاشيته، ثم حشد جيشا بريا وسار به فالتقاه بتولمايس، وأهلك نصف جيشه وعاد إلى أنطاكية مذعورا سنة 244، ورأى أن انضمامه إلى أخيه أنطيوكس يقوي جانبه، فراسله ووعده بأن يوليه أعمال آسيا الصغرى التابعة لسورية إن نجده في الحرب، فقبل أخوه شرطه وأتى إليه مبديا المعاونة لأخيه ومبطنا أخذ مملكته، وبلغ بتولمايس أنهما اتفقا، فصالح سلوقس ووقعا سنة 242 على هدنة بينهما عشر سنين.
واستمر أنطيوكس يحشد الجنود ناويا ثل عرش أخيه، فسار أخوه لكبته وانتشب القتال بينهما قرب أنكورة، فاستظهر أنطيوكس على سلوقس، وشاع أنه قتل وصدق الجنود الذين استأجرهم أنطيوكس الإشاعة، فهموا أن يلحقوا أخاه به ويصنعوا ما طاب لهم، فاضطر أنطيوكس أن يدفع لهم كل ما كان له من المال، وعاد الأخوان إلى النزاع والقتال، وبعد عدة وقائع ظهر سلوقس على أنطيوكس وهزمه، فلجأ إلى أرياراط ملك الكبادوك، وكان أنطيوكس متزوجا بابنته ، فأثقل حماه وصمم على إبعاده، فهرب أنطيوكس إلى مصر لاجئا إلى بتولمايس عدو أسرته، فأودعه السجن، ففر أنطيوكس منه سنة 226ق.م فقتله اللصوص في طريقه.
ولما استراح سلوقس من مزاحمة أخيه أراد أن يسترد الأقاليم، التي أخذها أرساس ملك الفرس من مملكته، فلم ينجح بحملته وأرغم أن يعود إلى سورية لتخميد نار ثورة حدثت عليه، ولما خمدها عاد لمحاربة أرساس، فكانت هذه الحملة شرا من الأولى؛ لأن جنوده كسرت، وهو وقع أسيرا بيد عدوه وبقي في أسره خمس سنين أو ستا، وتوفي سنة 226 أو سنة 235 بكبوة جواده به.
وبعد موت سلوقس الثاني خلفه ابنه سلوقس الثالث، وكان ضعيف الجسم واهن العزيمة ولم تكن له سلطة على الجنود ولا على أعمال المملكة، ولولا تدبير أخايوس ابن خاله لاستحوذ بتولمايس أو غيره على مملكة سورية، وكان أتال ملك برغام قد استولى على آسيا الصغرى كلها، فحشد سلوقس الثالث جيشا سار به يصحبه أخايوس المذكور لقتال أتال، فتحالف عليه تبكاتور وأباتوريوس من عماله، ودسوا له سما قضى به سنة 223ق.م، فثأر أخايوس من قاتليه فأماتهما مع كل من شاركهما في هذه الفعلة الشنعاء، ودافع عن المملكة وأوقف أتال عن التقدم في المملكة، وعرض عليه الجنود وكبراء المملكة تاج الملك، فأباه وسعى بأن يكون الملك لأنطيوكس أخي سلوقس الثالث المتوفى. (7) في أنطيوكس الثالث الملقب بالكبير
هو ابن سلوقس الثاني وأخو سلوقس الثالث، ارتقى إلى منصة الملك سنة 222ق.م، وهم بإصلاح شئون المملكة؛ فولى مولون أحد قواد جيشه على بلاد ماداي وأخاه إسكندر على فارس، وعهد إلى أخايوس بولاية أعمال آسيا الصغرى، فاسترد أخايوس كل ما كان أتال ملك الكبادوك غصبه من مملكة سورية، وأما مولون وإسكندر فجاهرا بالعصيان على الملك، واستبد كل منهما في ما ولاه عليه، فاضطر أن يوجه جيشا إليهما فانتصرا عليه، ثم سار بنفسه سنة 220ق.م، فبدد شمل جنودهما وحملهما على الانتحار، وكان أنطيوكس قد سار أولا بجيشه إلى سورية المجوفة، وانتهى إلى السهول الواقعة بين لبنان الغربي ولبنان الشرقي، فوجد تيودت واليها من قبل بتولمايس قد حصن معابر الجبلين حتى يئس الملك من العبور بين تلك الحصون، فعاد إلى أنطاكية، وبعد أن خمد ثورة العاصيين المذكورين عاد إلى سورية؛ ليسترد ما اختلسه بتولمايس منها، وكان تيودت المذكور قلب ظهر المجن لبتولمايس، ووعد أنطيوكس بأن يسلمه سورية المجوفة، ثم استولى على دمشق بحيلة اصطنعها على واليها، وانتهت أعماله الحربية سنة 219 بحصار دورا (الطنطورا)، التي كان نقولا واليها من قبل بتولمايس قد حصنها حتى قنط أنطيوكس من فتحها، فهادن نقولا أربعة أشهر وأقام تيودت المذكور واليا على كل ما كسبه في هذه الحملة، وأرجع جنوده تقضي فصل الشتاء في سلوقية (السويدية).
وكانت مخابرات في مدة الشتاء بالصلح بين أنطيوكس وبتولمايس، فلم يتفقا عليه وعاد الملكان سنة 218 إلى المحاربة، والتقى الجيشان وأسطولان لهما عند معابر لبنان، وانتشبت الحرب عند نهر الكلب بحرا وبرا، فكانت الحرب سجالا في البحر، واستظهر أنطيوكس في البر على نقولا رئيس جيش بتولمايس، وأكرهه أن يتقهقر إلى صيدا تاركا في ساحة القتال أربعة آلاف رجل بين قتيل وأسير، وتعقب أنطيوكس الجيش المصري بحرا وبرا، فأرسل أسطوله إلى صور؛ لأنه رأى صيدا منيعة، وزحف هو بجيشه إلى الجليل واستولى على مدن كثيرة، ثم جاوز الأردن واستحوذ على البلاد التي وراءه، ودنا فصل الشتاء فعاد إلى السامرة.
وفي ربيع سنة 217ق.م استؤنف القتال بين الملكين، وأخذ بتولمايس بنفسه إمرة جنده، وخيم في جهة غزة والتقاه أنطيوكس إلى هناك، وصف الملكان جيشهما وقام كل منهما أمام صفوفه، فظهر أنطيوكس في ميمنة جيشه على ميسرة جيش بتولمايس، وتوغل في لحاقهم على غير روية، فكسرت ميمنة جيش بتولمايس ميسرة جنده، وأخذت تضرب قلب الجيش من جانبه فكسرته، وأسرع أنطيوكس لنجدة جيشه ولكن فاته إصلاح غلطه؛ لأن عسكره تشتت وقتل منه عشرة آلاف وأسر منه أربعة آلاف، فلم ير أنطيوكس من نفسه القوة على استئناف القتال، فعاد إلى أنطاكية تاركا ما كسبه من البلاد، وأرسل إلى بتولمايس يسأله الصلح، فوقع بينهما أولا على هدنة مدة سنة، وقبل انقضائها وقع على الصلح وكان من شرائطه أن يتخلى أنطيوكس لبتولمايس عن فلسطين وفونيقي وسورية المجوفة.
وفي سنة 216 حمل أنطيوكس على أخايوس الذي استبد في آسيا الصغرى، فانتصر عليه وقتله بحيلة، وكان له حملات في شرقي مملكته اتصل بها إلى الهند، وعاد إلى أنطاكية سنة 205ق.م، فبلغه سنة 204 نعي بتولمايس فيلوباتر (محب أبيه) ملك مصر، فهام في استرداد فلسطين وما تبعها إلى مملكته واحتل فلسطين وسورية المجوفة، واستحوذ على مدنها، واتفق مع فيلبوس ملك مكدونية أن ينتزعا ملك بتولمايس وعقدا عهدة على قتل ابنه بتولمايس أبيفان، الذي كان عمره خمس سنين وقسمة مملكة مصر بينهما، فلجأ رجال دولة مصر إلى الرومانيين طالبين حمايتهم، وعرضوا عليهم الوصاية على الملك القاصر، وتدبير شئون مملكته، فلم يتردد الرومانيون في القبول، وعينوا ثلاثة مفوضين يحملون بلاغا إلى فيلبوس وأنطيوكس لينكفا عن الاعتداء على ملك مصر، وضايق الرومانيون فيلبوس، وانتزعوا أخيرا ممكلته من يده، ونكلوا بأنطيوكس وخلفائه كما سترى، وأرسلوا سنة 199 قائد جيش مصر إلى سورية، فأخذ اليهودية ومدنا كثيرة في غيرها، وأقام حامية في قلعة أورشليم، فجيش أنطيوكس وغشا سورية الجنوبية، والتقى الجيشان في بانياس، فظهر أنطيوكس على الجيش المصري، وشتت شمله وفر سكوباس قائده إلى صيدا فحاصرها أنطيوكس، واضطر هذا القائد أن يقبل شروطا مذللة له ولحكومته، ويعود بمن بقي من جنده إلى الإسكندرية، وسار أنطيوكس من صيدا إلى غزة فناوأه أهلها فقهرهم، وترك حامية؛ لئلا تتعقبه جنود مصر، وعاد فأخضع لسلطته فلسطين كلها وسورية المجوفة، والتقاه اليهود بمفاتيح مدنهم وحصونهم، فجاد عليهم بنعم وامتيازات.
Bilinmeyen sayfa