علومهم:
لا جرم أن الفونيقيين مهروا ببعض العلوم، وإن ندر كثيرا ما بقي منها، وكان لهم أسفار تنطوي على شرائعهم ورسوم دينهم، وكانوا يعزون هذه الأسفار إلى إله يسمونه تاوت، وربما كان طوت إله المصريين، وكان في مدنهم سجلات تدون بها الأحداث العامة، وتواريخ مملكتهم كما يظهر من الفقر التي وصلت إلينا من مينندر مأخوذة عن سجلات صور، وممن كتبوا تواريخ فونيقي ثيوت وموخ وغيرهما، ومما بلغنا من كتب الفونيقيين مترجمة إلى اليونانية إنما هو ترجمة فيلون الجبيلي لكتاب سنكويناتون البيروتي، الذي قدمه لأبيبعل ملك بيروت، وحفظ لنا أوسابيوس القيصري (في كتابه الاستعداد الإنجيلي ك1 فصل 6) فقرا من هذا الكتاب، وقال: إن المؤلف كان قريبا من عصر موسى، وأما فيلون الجبيلي فمن قائل: إنه كان في عصر خلفاء إسكندر، ومن قائل: إنه كان في القرن الأول للميلاد.
معبوداتهم:
قضت جميع القبائل القديمة أن لا بد للعالم من موجد ومدبر، وحملهم على ذلك النظر إلى العالم وما اشتمل عليه، وأنه لا يمكن أن يكون أوجد نفسه، ثم تقليد الآباء الأقدمين بأن الله خلق العالم، فرسخ في ذهن كل قبيلة أنه لا بد من إله ... فلا نجد قبيلة لم تقر بوجود إله، أو خلت من مساجد ومعابد، على أنهم لم يدركوا أن الإله روح بسيط، بل حسبوه كالهيوليات ونظروا إلى أسمى الكائنات فعبدوها، ولم يخل شعب من عبادة الشمس إذ رأوها أسمى الكائنات، وتبعوا بها القمر وسائر الكواكب، لكنهم اختلفوا في اسم المعبود الأكبر وهو الشمس، فسماه المصريون رع أو عمون وسماه الفونيقيون بعل شمائيم أي: رب السماوات، وسماه الحثيون ست أو ستخ أي: القدير على كل شيء، وسماه الآراميون هدد وربما هو حاد حاد أي : الواحد الأحد وهلم جرا، وأشهر معبودات الفونيقيين أدونيس ويسمى تموز ومعناه الرب والسيد، وهو بمقتضى أقدم تقليداتهم إله الشمس، يتصورونه يموت في الخريف تجف نضارة النبات وتذوي ثماره، ويحيا في الربيع إذ يعاوده الخصب والإزهار، ويدنو إيناع ثمره فيحتفلون لعيده في الخريف، فتلبس نساؤهم ملابس الحداد، وينحن على تموز أي: على موت الطبيعة المجملة بأزهارها وثمارها، وكانت النساء في جبيل يجززن شعرهن إشعارا بالحداد، ويطفن حائرات بائرات ويتغنين بالمراثي على أدونيس (المسمى نهر إبراهيم باسمه)، فإذا جاء الربيع احتفلوا بعيد قيامة أدونيس أي: بعود النضارة والإزهار والخصب إلى النبات، وأكثروا من الملاهي والطرب، ولم تكن عامتهم تدرك هذا الرمز، بل كانت تحسبه واقعيا وكانت النساء العبرانيات يشتركن مع الوثنيات في هذه الحفلات؛ ولذلك قال حزقيال (ص8 عدد 14): «فإذا هناك بنساء جالسات يبكين على تموز.» وأصبح تموز عند اليونان صيادا في سورية مغرما بعشتروت، وهي الزهرة عند اليونان، وبينما كان يصطاد في غابات لبنان غير بعيد عن جبيل حسده الإله آراس، وتقمص بخنزير بري، وكان بينهما عراك أفضى إلى قتل أدونيس ... ونقش مثال لهذه الحكاية على صخر بقرية الغينة بالفتوح، فأعادته الزهرة من الموت، ونقش مثال قيامته على صخر في المحل المعروف بالمشنقة ببلاد جبيل.
وجعل الفونيقيون السيارات السبع المعروفة عند القدماء بعولا ثانوية، وزادوا عليها ثامنا هو كوكب القطب الشمالي المعروف بالمسمار، وكانوا يتخذونه هاديا بأسفارهم، ولم يكن الآلهة عندهم ذكورا فقط، بل كان لكل بعل بعلة، وكل ما كانت للبعل خاصة شمسية كانت للبعلة خاصة قمرية؛ ولذا كانت عشتروت عندهم القمر، وكان أعظم هياكلهم هيكل ملكوت في صور، وأصل الكلمة «مالك قريت» أي: ملك المدينة أو ربها.
الفصل الرابع
في العبرانيين
(1) في اسم العبرانيين ونسبتهم إلى عابر وإبراهيم
إننا نوجز الكلام في تاريخ العبرانيين اعتمادا على أن أكثره معلوم من التاريخ المقدس، فأصلهم من سام بن نوح، فسام ولد أرفخشاد، وأرفخشاد ولد شالح، وشالح ولد عابر، فعبر الفرات نحو سورية فسمى أهل سورية ولده عبرانيين من عبور والدهم الفرات، وعابر ولد فانع ويقطان أو قحطان جد العرب، وفالغ ولد أرعو، وأرعو ولد سروج، وسروج ولد ناحور وناحور ولد تارح، وتارح ولد إبرام الذي سماه الله إبراهيم وناحور، وهاران الذي ولد لوطا وتوفاه الله قبل ابنه (تكوين 11 عدد 11 وما يليه).
إن مجموع أعمار هؤلاء الآباء إلى مولد إبراهيم هو 292 سنة بحسب النص العبراني و942 سنة بحسب الترجمة اليونانية السبعينية، وزادت هذه الترجمة أبا خلا عنه النص العبراني، وهو فينان بن أرفخشاد وأبو شالح، وذكرت أن أرفخشاد ولده وعمره 135 سنة، وكان المجموع 1077 سنة.
Bilinmeyen sayfa