لما افتتح الملك لويس دمياط كان الملك الصالح أيوب ابن الملك الكامل ابن الملك العادل، أخي صلاح الدين مريضا وتوفي سنة 1249، ولم يكن بقي له ولد غير الملك المعظم توران شاه صاحب حصن كيفا فخلفه، ووصل إلى المنصورة عند القتال عليها بين الإفرنج والمسلمين، وأغضب مماليك أبيه وامرأته، واعتمد على بطانته الذين أتوا معه من حصن كيفا، فوثب المماليك عليه وقتلوه، وأول من ضربه ركن الدين بيبرس البندقداري الذي صار سلطانا في ما بعد، واجتمع الأمراء فأقاموا شجر الدر زوجة الملك الصالح في المملكة، وخطبوا لها على المنابر وضربت السكة باسمها، وأرسلوا رسلا إلى الأمراء بدمشق في موافقتهم على ذلك، فلم يجيبوهم إليه بل كاتبوا الملك الناصر صاحب حلب، فسار إليهم وملك بدمشق مع حلب، ولما علم المماليك بذلك في مصر رأوا أنه إذا استمر أمر الملك في امرأة تفسد الأمور فخلعوا شجر الدر، وأقاموا عز الدين أيبك ملكا ولقب الملك المعز ... ثم اجتمع الأمراء واتفقوا على أن لا بد من إقامة شخص من بني أيوب في السلطنة، واختاروا الملك الأشرف موسى بن يوسف صاحب اليمن، وأجلسوه في دست السلطنة.
وسار الملك الناصر يوسف صاحب دمشق وحلب من دمشق قاصدا مصر، وصحبه كثيرون من الأمراء الأيوبيين، والتقى العسكران المصري والشامي بالقرب من العباسية واتقعوا، وكان العسكر المصري في إمرة عز الدين أيبك المذكور، فحمل على الناصر فهرب نحو الشام ثم هزم عسكره، وأخذ قائده أسيرا وضرب عنقه وأسر جماعة من الأمراء الأيوبيين، وخلع الملك الأشرف وقطع الخطبة له، فكان آخر الأيوبيين بمصر سنة 1255، وتزوج أيبك المذكور بشجر الدر، واصطلح مع صاحب دمشق على أن يكون التخم بينهما عريش مصر، وفي سنة 1258 قتل المعز أيبك، قتلته شجر الدر زوجته غيرة من خطبته غيرها، فنصب المماليك مكانه ابنه عليا ولقبوه بالمنصور وقتلوا شجر الدر التي قتلت المعز.
وأما الناصر صاحب دمشق وحلب فكانت خصومة بينه وبين صاحب الكرك الذي ضوى إليه بعض المماليك البحرية، فسار الناصر إليهم وحاصر الكرك، فأرسل صاحبها إليه بالصلح، فشرط عليه أن يحبس البحرية فأجابه إلى شرطه، ولما علم بيبرس البندقداري أميرهم هرب في جماعة منهم إلى الناصر، وفي هذه الأثناء قدمت عساكر التتر إلى سورية، فملكوها وفر الناصر إلى مصر ثم إلى تيه العرب وسارت عساكر مصر إلى سورية، وقاتلوا التتر فانهزموا وقتل أميرهم النائب عن هولاكو، وكان الناصر قد حضر عند هولاكو مستسلما إليه، فأبقاه عنده ولما بلغه خبر انكسار عسكره قتل الناصر وبعض الأمراء بني أيوب، ولم يبق منهم بسورية إلا المنصور بن المظفر صاحب حماة، فانقرض ملك الأيوبيين بسورية سنة 1263 كما انقرض بمصر سنة 1255، فكان ملكهم بسورية ومصر نحو تسعين سنة، وخلفهم دولة المماليك البحرية ويسمون المماليك الترك. (9) في إغارات التتر على سورية
منشأ التتر تركستان الصينية وتركستان الروسية، وفي أوائل القرن الثالث عشر ملكوا بلاد فارس، وكان أول ملوكهم فيها جنكزخان الشهير الذي انبسط ملكه إلى الصين وروسية الجنوبية والعراق والجزيرة، وعند موته قسم ملكه بين أولاده الأربعة، وكان الخامس من ملوك التتر اسمه هولاكو، ففي سنة 1260 استولى على الجزيرة، وأرسل ولده سموط إلى سورية وبلغ إلى ظاهر حلب، وكان فيها الملك المعظم توران شاه بن صلاح الدين نائبا عن ابن أخيه الملك الناصر، فقاتل التتر في ظاهر حلب فانهزم الحلبيون إلى مدينتهم، ورحل التتر إلى إعزاز فتسلموها بالأمان، ثم عادوا إلى حلب وأحاطوها ودخلوا إليها وأعملوا السيوف فيها.
وجعل هولاكو النائب بحلب عماد الدين القزويني، وأتى إليه الملك الأشرف صاحب حمص فأعادها إليه، وكان الملك الناصر صاحب حلب قد أخذها منه، وجاء أكابر حماة ومعهم مفاتيح مدينتهم سلموها إلى هولاكو، وكان الملك المنصور صاحب حماة قد توجه إلى الملك الناصر بدمشق، وعاد هولاكو إلى المشرق لدواع اقتضت عوده، وأمر بخراب أسوار حلب وقلعتها فخربت، وأمر صاحب حمص أن يخرب سور قلعة حماة، فخربه ولم يخرب أسوار المدينة لقرب الإفرنج إليها، وأناب هولاكو على جيشه كتبغا فسار إلى دمشق، وملكها بالأمان وعصته قلعتها فحاصرها إلى أن سلمت إليه، وأخذوا بعلبك وعجلون.
واجتمعت العساكر من مصر وعرف أهل دمشق خروجها، فأوقعوا بالنصارى وخربوا كنيسة مريم الكبرى، وسار قطز الملك المظفر (الذي كان قد قتل المنصور عليا وأخذ الملك) بجيش المسلمين لقتال التتر، وجمع كتبغا عسكر التتر، وتقارب العسكران في الغور واقتتلا، فانهزم التتر هزيمة قبيحة وأخذتهم سيوف المسلمين وقتل كتبغا قائدهم، وفر من بقي إلى رءوس الجبال، وتبعهم المسلمون فأفنوهم، وأتم قطز سيره إلى دمشق فابتهج المسلمون بقدومه وجهز قطز العسكر إلى حلب لحفظها، وجعل أقوش البرلي أميرا بالسواحل وغزة، وفوض نيابة السلطنة بدمشق إلى الأمير علم الدين سنجر الحلبي، ونيابة حلب إلى الملك السعيد صاحب الموصل، وعاد الملك المظفر قطز من دمشق إلى مصر فقتله في طريقه ركن الدين بيبرس البندقداري، وأخذ السلطنة وجمع علم الدين سنجر المذكور الناس، وحلفهم لنفسه بالسلطنة، ولقب نفسه الملك المجاهد وخطب له وضربت السكة باسمه، وعرف التتر بما كان فعادوا إلى سورية، وأتوا حلب فهرب نائبها وقتل التتر كثيرين من أهلها، وتقدم التتر إلى حماة ففر صاحبها إلى حمص، وكان هناك قتال شديد بين التتر والمسلمين فانهزم التتر، وتبعهم المسلمون يقتلون منهم ويأسرون كيف شاءوا وكان ذلك سنة 1261، وعاد التتر مرة أخرى إلى سورية سيأتي ذكرها. (10) في بعض الأحداث في أيام الملك الظاهر
الملك الظاهر هو بيبرس البندقداري الذي قتل قطز سنة 1260، واستبد بالسلطنة، وكان قطز قد استناب بدمشق علم الدين سنجر الحلبي، فاستقل بدمشق سنة 1261، وجهز الملك الظاهر عسكرا أرسله إليه فاقتتل الطرفان في ظاهر دمشق، فولى الحلبي وأصحابه منهزمين إلى جهة بعلبك، فتبعه العسكر المصري وقبض عليه واعتقله وحمل إلى مصر، واستقرت دمشق في ملك الظاهر، وتبعها في ذلك حمص وحماة وحلب، واستبد شمس الدين أقوش البرلي في حلب، فأرسل إليه الظاهر من طرده وكان التتر قد قتلوا الخليفة المستعصم العباسي، وفي سنة 1261 قدم إلى مصر جماعة من العرب، ومعهم شخص اسمه أحمد شهدوا أنه عم المستعصم، وأثبت القاضي نسبه فبايعه الظاهر والأعيان بالخلافة، ولقب بالمستنصر بالله، وتوجه به الظاهر إلى دمشق، وأرسله إلى بغداد طامعا أن يستولي عليها، وقبل أن يصل بغداد وصلت إليه التتر وقتلوه، فاستقدم الظاهر من حلب رجلا من العباسيين، وبويع له بالخلافة ولقب الحاكم بأمر الله، واستمر هؤلاء الخلفاء بمصر على الخلافة الدينية ولا ولاية لهم إلى سنة 1517 التي فيها تخلى الخليفة الأخير منهم عن الخلافة إلى السلطان سليم الأول العثماني، فكان من العباسيين بمصر 15 خليفة وبالعراق 37 خليفة.
وفي سنة 1263 سار الظاهر إلى الشام وقبض على الملك المغيث صاحب الكرك وأرسله إلى مصر، وكان آخر العهد به ورتب أمور الكرك، وعاد إلى مصر، وفي سنة 1265 عاد إلى سورية لقتال الإفرنج، ونازل قيصرية فلسطين وفتحها وهدمها، ثم فتح أرسوف وعاد إلى مصر، ثم رجع سنة 1266 وجهز عسكرا إلى ساحل طرابلس ففتحوا القليعات وحلب وعرقا ونزل هو على صفد وضايقها، وفتحها بالأمان، وفي سنة 1268 قدم أيضا إلى سورية، وفتح يافا وأخذها من الإفرنج ثم سار إلى أنطاكية ونازلها، فملكها عنوة وقتل عسكره أهلها وسبوا ذراريهم وغنموا أموالهم، وقال كثيرون من المؤرخين: إن عدد القتلى من النصارى بلغ إلى سبعة عشر ألف وعدد الأسرى مائة ألف ، وكان فتحها في أول أيار سنة 1268 وكان الإفرنج قد فتحوها سنة 1098، فمدة ملكهم لها مائة وسبعون سنة.
وفي سنة 1270 أغار على عكا فرأى أن لا مطمع له فيها، فرحل عنها وجهز عسكرا إلى بلاد الإسماعيلية، فتسلموا حصن مصياف، وفي سنة 1271 نازل حصن الأكراد وهو للإفرنج، فملكه بالأمان ثم سار إلى حصن عكار وملكه وتسلم قلعة القليعات، وفي سنة 1270 عاد القديس لويس التاسع ملك إفرنسة إلى المشرق، وسار أولا إلى تونس فتوفي بها، وكان إدوار بن إنريكوس الثالث ملك إنكلترا قد لحق به، فأتى إلى فلسطين فأعاد الإفرنج خط الاتصال بين مدنهم الذي كان المسلمون قد قطعوه، وملكوا الناصرة التي كان الظاهر أحرق كنيستها، وأرسل أمير يافا إلى الأمير إدوار المذكور رجلا إسماعيليا بهيئة رسول، فطعن الأمير بمدية في ذراعه ثم في جبهته فأخذ الأمير المدية منه فطعنه في بطنه، ولم يشأ أن يبقى بسورية بعد برئه فعقد هدنة مع الظاهر إلى مدة عشر سنين وعشرة أشهر وعشرة أيام، وعاد إلى بلاده سنة 1271 وتوفي الظاهر سنة 1278 بدمشق ودفن قرب الجامع الأموي. (11) في خلافة ولدي الملك الظاهر وما كان في أيام قلاون الصالحي
بعد اشتهار خبر وفاة الملك الظاهر خلفه ابنه سنة 1278، ولقب الملك السعيد وأساء إلى بعض الأمراء، فعملوا على خلعه وحاصروه بقلعة الجبل بالقاهرة سنة 1280، وخامر عليه من كانوا معه فطاوعهم على الانخلاع وأقاموا مكانه أخاه بدر الدين، ولقبوه الملك العادل وكان عمره إذ ذاك سبع سنين، وصار الأمير سيف الدين قلاون الصالحي أمير الأمراء، وأرسل شمس الدين سنقر الأشقر ليكون نائب السلطنة بدمشق فسار وتولاها، لكن الأمراء انقلبوا على الملك العادل فخعلوه، وأجلسوا الأمير قلاون الصالحي على منصة الملك، وسموه الملك المنصور، فأبى سنقر الأشقر نائب دمشق الطاعة له واستبد بملك سورية، وسمي الملك الكامل، فجهز عليه قلاون عسكرا وخرج إليهم سنقر إلى ظاهر دمشق فهزموه، فسار إلى الرحبة ثم إلى صهيون فاستولى عليها وعلى الشفر وبكاس وشيزر وأباميا وعكار، وكاتب أبغا بن هولاكو ملك التتر وأطمعه في البلاد ، فسار قلاون من مصر إلى سورية سنة 1282، وأرسل عسكرا إلى أملاك سنقر، فترددت الرسل بين السلطان قلاون وسنقر، فصالحه السلطان ليقوى على التتر.
Bilinmeyen sayfa