يدى رسول الله ﷺ أو المراد أنهما يشهدان على أن ذلك من الوجوه التى نزل بها القرآن.
قال أبو شامة: وكان غرضهم أن لا يكتب إلا من عين ما كتب بين النبى ﷺ لا من مجرد الحفظ، قال: ولذلك قال: فى آخر سورة التوبة لم أجدها مع أحد غيره، أى لم أجدها مكتوبة مع غيره؛ لأنه كان لا يكتفى بالحفظ دون الكتابة.
قال السيوطى: أو المراد أنهما يشهدان على أن ذلك مما عرض على النبى ﷺ عام وفاته كما يؤخذ مما تقدم آخر النوع السادس عشر.
وقد أخرج ابن أشتة فى المصاحف عن الليث بن سعد، قال: أول من جمع القرآن أبو بكر وكتبه زيد وكان الناس يأتون زيد بن ثابت، فكان لا يكتب آية إلا بشاهدى عدل، وأن آخر سورة براءة لم توجد إلا مع خزيمة بن ثابت، فقال: اكتبوها، فإن رسول الله ﷺ جعل شهادته بشهادة رجلين، فكتبت، وأن عمر أتى بآية الرجم، فلم يكتبها؛ لأنه كان وحده.
وقال الحارث المحاسبى فى كتاب فهم السنن: كتابة القرآن ليست بمحدثة؛ فإنه ﷺ كان يأمر بكتابته، ولكنه كان مفرقا فى الرقاع والأكتاف والعسب؛ وإنما أمر الصديق بنسخها من مكان إلى مكان، وكان مجتمعا، وكان ذلك بمنزلة أوراق وجدت فى بيت رسول الله ﷺ فيها القرآن منتشرا، فجمعها جامع، وربطها بخيط حتى لا يضيع منها شئ.
قال: فإن قيل: كيف وقعت الثقة بأصحاب الرقاع وصدور الرجال؟. قيل: لإنهم قد شاهدوا تلاوته من النبى ﷺ عشرين سنة، فكان تزوير ما ليس منه مأمونا، وإنما كان الخوف من ذهاب شئ من صحفه، وقد تقدم فى حديث زيد أنه جمع القرآن من العسب واللخاف.
وفى رواية: والرقاع، وفى أخرى: وقطع الأديم، وفى أخرى والأكتاف، وفى أخرى:
والأضلاع، وفى أخرى: والأقتاب والعسب جمع عسيب، وهو جريد النخل، كانوا يكشطون الخوص، ويكتبون فى الطرف العريض، واللخاف بكسر اللام وبخاء معجمة خفيفة آخره فاء، جمع لخفة، بفتح اللام وسكون الخاء، وهى الحجارة الدقاق.
وقال الخطابى: صفائح الحجارة والرقاع، جمع رقعة، وقد تكون من جلد أو ورق أو كاغد، والأكتاف جمع كتف، وهو العظم الذى للبعير أو الشاة كانوا إذا جف كتبوا عليه، والأقتاب جمع قتب، وهو الخشب الذى يوضع على ظهر البعير ليركب عليه.
وفى موطأ ابن وهب، عن مالك، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله بن عمر، قال:
جمع أبو بكر القرآن فى قراطيس، وكان يسأل زيد بن ثابت فى ذلك، فأبى حتى استعان عليه بعمر، ففعل.
وفى مغازى موسى بن عقبة، عن ابن شهاب، قال: لما أصيب المسلمون باليمامة، فزع أبو بكر، وخاف أن يذهب من القرآن طائفة، فأقبل الناس بما كان معهم وعندهم، حتى جمع على عهد أبى بكر فى الورق، فكان أبو بكر أول من جمع القرآن فى المصحف.
1 / 8