مُقَدّمَة الْمُؤلف
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
بِذكر الله نَفتَتح، وبنوره سُبحانه نَقْتدح، وَبِمَا أفاضه علينا من نُوريَّة إلهامِه نهتدِي، وَبِمَا سَنَّه لنا نبيُّه المُقتفَى، ورسولُه المصطفَى، من فُروض طَاعَته نقتدي. نحمَدُه بآلائه، وَنُصَلِّي على عاقِب أنبيائه، ونَسأله خيرَ مَا يَخْتِم، وأفضلَ مَا بِهِ لهَذِهِ النُّفُوس يَحتِم، ربَّنا لَا تُسلِّط مَا وكَلتْه بِنَا من النقائص الإنْسانية، على مَا أفضْته علينا من الْفَضَائِل الرَّوحانية، وَلَا تُغَلَّب مَا كدُر من طباعنا وكَثُف، على مَا رَقُّ من أوضاعنا، فشرُف ولَطُف بل كن أنتَ الحَفيَّ بِنَا، والوَلِيَّ فِي الحْيَطة لنا، هاديَنا إِلَى أفضل مَا يُعْتَمد، ومُسَدِّدَنا إِلَى أعدل مَا يُقتصد، إِن قَصَّرتْ أعمالُنا عَن وَاجِب الطَّاعَة، بِحَسب مَا وكَلْته بِنَا من نُقصان الِاسْتِطَاعَة، فصِلْ قاصرَها بعَطْفتك، وَكن ناصرَها برأْفتك، مَا دَامَت نفوسُنا مُعْتَلقةً لأنفاسنا، وأرواحنا مرتبطة بأشباحنا، فَإِذا تناهت علائق مُدَدِنا، وتدانت مَناهي أمَدِنا، فأردتَ تحْليلنَا، وأزْمَعْت كَمَا شِئْت تَحويلَنا، من دَار الفناء والبُيُود، إِلَى الْمَخْصُوصَة من الدَّاريْنِ بأَبديَّة الخُلود، عِنْد اسْتِحَالَة الأكوان الَّتِي لم تهيئْها للإدامة، وَلَا بَنَيْتَ أوضاعَها على السَّلامة، فأَدْنِ ذَواتِنا إِلَى ذاتك، وصل حَياتَنا بأبَدىّ حَياتك، وفَرِّحْنا بجوارك، وأمِدَّ أرواحَنا بسُبُحات أنوارك، وأوْطِئنْا مِهادَ رُحْماك، وأوْرِف علينا سابغا من جنَّات نُعماك، وبَوِّئْنا سِطَةَ دَار السَّلَام، الَّتِي وصَلْتَ صفاءَ نعيمها بالدّوام، واغفر هُنَالك فادحَ ذنوبنا، كَمَا تَفَضَّلْتَ أَن تتغَمَّد هُنا قادحَ عُيوبنا، إِنَّك ذُو الرَّحْمَة الَّتِي لَا يُطاوَلُ باعُها، والنِّعمة الَّتِي لَا تُحصَى بعَددٍ أنواعُها.
1 / 29
أما بعد، أَيهَا المسهرُ طلبُ الْعلم لجفونه، الكاتبَ لحَور عَيونه، الراتع مِنْهُ فِي ازاهير فُنونه، فَإِنِّي أَقُول لَك هَنيئا، فقد أُوتِيتَ بَغيَّتك، وشُكرا، فقد ملكت أُمنيتَّك، إنَّ النِّعمة قلوصٌ يُنِدُّها عَن صَاحبهَا الْكفْر، ويُذَلِّلها لراكبها الشُّكْر، لَشَدَّ مَا وَرَدْتَ مَنهل إرادَتِك صافيا، وأُلْبِستَ مَا أعجز رَيعانَ أُمْنيَّتك ضَافيا، وكلٌّ بيمن " الْمُوفق " مُحي المكارم، ومُروِي الأسنَّة والصوارم، زينِ الزّمان وتاجِه، وَعين الأوان وسِراجه، سيِّد جَمِيع الْأَمْلَاك، ومُعيدِ زمن العدْل إِلَيْهِ بعد الْهَلَاك، مُطْلع الْعُلُوم لنا نجوما وأهِلَّة، ومُرسِلِ المكارم علينا غُيوما مُسْتَهِلَّة، قد مَلأ البلادَ عدلُه مَقادِم صَباح، ومَدَّ على الْعباد من فَضله قَوَادِم جَناح، حَتَّى بَشَّرتْ لِقاحُ طُعَمِهِم، وتمَشَّرَتْ خِصبا أدواحُ نِعَمهم، فَلَا فَقير إلاّ مجبور، وَلَا غنيّ إِلَّا موفور محبورٌ، وَلَا شاكرَ إِلَّا مُسْهِب، وَلَا ذاكرَ إِلَّا مُجِدٌّ مُطْنِب، من بَين ذِي كَفٍّ إِلَى الله فِيهِ ممدودة، ولسانٍ بحُسن الثَّنَاء عَلَيْهِ مَرْدودة، تخدُمه أنفسُهم بالصفاء، وألسنتهم بحُسن الثَّنَاء لَهُ وَالدُّعَاء، إِن نَام باتُوا لَهُ هاجدين، أَو قَامَ وَقعُوا لَهُ ساجدين، أدام الله لَهُم وارِف ظِلِّه، وَلَا سَلَبهم عَوارفَ فَضله، وَأخذ الجميعَ مِنْهُم فِداءَه، وقدَّم فِي ذَلِك قبلَ أوليائه أعداءَه، وَحفظ مُلكه بصِوان السَّعادة، وقَرنَ كلَّ عَزْمة لَهُ بمختار الْإِرَادَة، وكَبَتَ عَنهُ بالنُّصرة مُسْتَهد فِي عُداه، وحَكَّم فيهم نوافذ أسَّنته، ومواضِيَ مُداه، وَجعله وَارِثا لجَلَهات بِلَادهمْ، ومتكفَّلا بعد الصَّيْلم المُوِتمة لترائِك أَوْلَادهم، شكرا لَهُ أيُّها النَّهِمُ على محَاسِن الْعُلُوم، الباحث عَن نتائج مقدّمات الحُلوم، فَمَا أسلمَك للواحق الزّمان، وَلَا خَلَّى بَيْنك وَبَين طوارق الحَدَثان، بل كَفاكَ مَا كَانَ يُنازعُك
1 / 30
هَوَاك، ويُمِرّ عَلَيْك مستعذَبَ نَواك، من تصوّر التَّعَب بشدّ الرِّحال، ومئونة التِّرْحال، ولفْح السمُوم، وَعقد الطَّرْف لَيْلًا بسُموت النُّجُوم، وتأمُّلِ السَّراب، شَوْقا إِلَى بَرْد الشَّرَاب، والتمتع بأباطيل الخيال، بَدَلا من لذيذ محصول الوِصال، وَسَائِر مَا يَلْحَقُ جُوَّابَ المَتالِف، من أَنْوَاع التكالِف، وَرُبمَا اقْترن بذلك مَا أحمدُ الله على كفايتك إِيَّاه، من تَلف المُهْجة الَّتِي لَا يَعْدِلها ثمن، وعابرُ الْمَفَازَة بذلك قَمَن، فقد قيل: إِن الْمُسَافِر ومَتاعَه لعَلى قَلَتٍ إلاّ مَا وَقى الله، وَقد قيل: إِن تَعب السّفر، لَا يَفِي بِهِ شَيْء من الظَّفَر، فيالها نِعمةً عميمَةً أوردَك صَفْوَتها، وطُعْمةً جَسيمة مَلَّكك عفوتها، هَكَذَا تنمى الجدود وتسفر عَن مطالعها السُّعود، عِشْ بجَدٍّ صاعد، فربَّ ساعٍ لقاعد، وَللَّه درّ أبي الطَّيِّب رَبِّ الْأَمْثَال السَّيَّارَة، والأقوال المُستْعارة، قَائِلا:
ولَيْسَ الَّذِي يَتَّبَّع الوَبْلَ رَائِدًا ... كمَنْ جاءَهُ فِي دارِهِ رَائدُ الوَبْلِ
وشَرْح مَا اجملتُ لَك من ذَلِك: أَن بارئنا جلّ وعزّ، لمّا أَرَادَ الْإِحْسَان إِلَيْك، والامتنان بفضله عَلَيْك، ألهمه، فَأَنْشَأَ لَهُ همّة لَيست ببدْع من هممه، وَحِكْمَة لَيست ببِكْرٍ من حِكمه، فَإِنَّهُ - وفَّقه الله - مَناطُ كلّ عَجِيبَة، ورباط كلّ فَائِدَة غَرِيبَة، وَمَا أولاه أَن يُنشَد فِي ذاتِه، مَا قَالَه أَبُو الطَّيَّب ذَاكِرًا لصفاته، وَهُوَ:
إليَّ لَعمرِي قَصْدُ كُلِّ غَرِيبَةٍ ... كَأَنِّي عجيبٌ فِي عُيُونِ العَجائبِ
وَذَلِكَ انه - أدام الله مدَّته، وَحفظ على مُلكه طُلاوته وجدتّه - لما جمع الْعُلُوم
1 / 31
النافعة، من الديانيات واللسانيات، فسلك مناهجها، وشَهَر بمُقدماتها نتائجها، وذلّل من صعابها، وأخضع بفهمه من صِيِد رِقابها، وَعلم مُنتهى سِبارها، وميَّز بالتأمُّل اللَّطِيف طَبَقَات أقدارها، وضَح لَهُ فضلُ هَذَا الْكَلَام العربيِّ، الَّذِي هُوَ مَادَّة لكتاب الله جلَّ وعزّ، وَحَدِيث النبيّ، ﷺ " وشرَّف وكرَّم "، فَلَمَّا وضح لَهُ مكانُ الْحَاجة إِلَى هَذِه اللِّسَان الفصيحة، الزَّائِدَة الْحسن، على مَا أُوتِيَه سَائِر الْأُمَم من اللُّسْن، أَرَادَ جمع ألفاظها، فَتَأمل لذَلِك كتب رواتها وحفَّاظها، فَلم يجد مِنْهَا كتابا مُسْتقِلّا بِنَفسِهِ، مُستغنيا عَن مثله، مِمَّا أُلِّف فِي جنسه، بل وجد كل كتاب مِنْهَا يشْتَمل على مَا لَا يشْتَمل عَلَيْهِ صَاحبه، وشلٌ " لَا " تعانَدُ عَلَيْهِ وُرًّادُه، وكلأ لَا تحاقدُ فِي مثله روَّادُه، لَا تشبع فِيهِ نابٌ وَلَا فطيمة، وَلَا تُغنى مِنْهُ خضراءُ وَلَا هشيمة.
ثمَّ انه لحظ مناظر تعبيرهم، ومسافر تحبيرهم، فَمَا اطَّبَى شَيْء من ذَلِك لَهُ نَاظرا، وَلَا سلك مِنْهُ جنَانًا وَلَا خاطرا، وَذَلِكَ لما أُوتيهُ وحُرِمُوه، وأوجده وأُعدِمُوه، من ثَقابة النَّظر، وإصابة الْفِكر، وَكَانَ اكثر مَا نقمه - سدّده الله - عَلَيْهِم، عُدُولُهم عَن الصَّوَاب، فِي جَمِيع مَا يُحتاج إِلَيْهِ من الْإِعْرَاب، وَمَا أحوجهم من ذَلِك إِلَى مَا مُنِعُوه، وَإِن جلّ مَا أُوتوه، من علم اللُّغَة ومُنِحوه، فَإِن الكَحَل لَا يُغني من الشَّنَب، وإنّ الْخمر معْنىً لَيْسَ فِي الْعِنَب.
وأيّ مُوَاقفة أخزى لواقفها، من مقامة أَبُو يُوسُف يَعْقُوب بن إِسْحَاق السِّكِّيت، مَعَ أبي عثمانَ المازنيّ، بَين يَدي أَمِير الْمُؤمنِينَ جَعْفَر المتَوَكل؟ وَذَلِكَ أَن أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ: يَا مازنيُّ سَلْ يَعْقوبَ عَن مسئلة من النَّحْو، فتلكَّأ المازنيّ، عِلْما بتأخر يَعْقُوب فِي صناعَة الْإِعْرَاب، فعزم المتوكلُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: لابدّ لَك من سُؤاله، فَأقبل المازنيّ يُجهد نَفسه فِي
1 / 32
التَّلْخِيص، وتنكُّب السُّؤَال الحُوشيِّ العويص، ثمَّ قَالَ: يَا أَبَا يُوسُف، مَا وزن " نكْتَل " من قَوْله تَعَالَى: (فأرْسِلْ مَعَنا أخانا نَكْتَلْ)؟ قَالَ لَهُ: نَفْعَل، وَكَانَ هُنَالك قوم قد علمُوا هَذَا الْمِقْدَار، وَلم يُؤْتَوْا من حظّ يَعْقُوب فِي اللُّغَة المِعشار، ففاضُوا ضَحِكا، وأداروا من الهُزْء فلكا، وارتفع المتوكِّل، فَخرج السِّكِّيتيُّ والمازنيّ، فَقَالَ ابْن السكِّيت: يَا أَبَا عُثْمَان، أسأتَ عشرتي، وأذويت مَشرتي. فَقَالَ لَهُ المازنيّ: وَالله مَا سَأَلتك عَن هَذِه، حَتَّى تحققت أَنِّي لم أجد أدنى محاولا، وَلَا اقْربْ مِنْهُ متناولا.
وَأي شَيْء اذْهَبْ لزين، وأجلب لعَبَر عَيْن، من معادلته فِي كِتَابه الموسوم " بالإصلاح "، الرَّيْم الَّذِي هُوَ الْقَبْر، وَالْفضل، بالرَّيم الَّذِي هُوَ الظَّبي؟ ظَنَّ التَّخْفِيف فِيهِ وَضْعا.
وَمن اعْتِقَاده فِي هَذَا الْبَاب أَن الْغَيْن، وَهُوَ جمع شَجَرَة غَيناء، وَأَن الشّيْم: جمع أَشْيَم وشَيْماء، وَزنه: " فِعْل "، وَذهب عَلَيْهِ انه " فُعْل " غُوْن، وشُوْم، ثمَّ كُسرت الْفَاء، لتسلَم الْيَاء، كَمَا فُعل ذَلِك فِي بِيض. وَهَذَا بَاب من التصريف مَورودٌ مَنْهَل، ومعلومٌ غيرُ مَجْهَل، إِلَى غير ذَلِك من الْخَطَأ الَّذِي لَا أحصي عدده، وَلَا أحصُر مدده، وَقد أفردت فِي ذَلِك كتابا.
وَأي شَيْء أدلُّ على ضعف المُنَّة، وسخافة الجُنَّة، من قَول أبي عبيد الْقَاسِم بن سلاَّم، وَفِي كِتَابه الموسوم " بالمصنَّف ": العِفْرِية: مِثَال فِعْللَة، فَجعل الْيَاء أصلا، وَالْيَاء لَا تكون أصلا فِي بَنَات الْأَرْبَعَة.
وَمن قضاياه الَّتِي نَصَّها فِي هَذَا الْكتاب، فِي " بَاب عُيُوب الشّعْر وَطَوَائِف قوافيه " فَإِنَّهُ مَا كَاد يُوَفَّق مِنْهَا فِي قَضِيَّة، وَلَا يُسَدَّد فِيهَا إِلَى طَريقَة سَوِيَّة، وَقد أبَنْتُ ذَلِك عَلَيْهِ، فِي كتابي الموسوم " بالوافي، فِي علم القوافي ". وَمن استشهاده بِقَوْلِي الهُذَليّ:
لحَقُّ بني شُغارَةَ أنْ يقولُوا ... لصخرِ الغَيّ مَاذَا تَسْتَبِيثُ
1 / 33
على النَّبيثة الَّتِي هِيَ كُناسة الْبِئْر، وهيهات الأَرْوِىُّ من النعام الأرْبد، وَأَيْنَ سُهيَلٌ من الفَرْقَد؟ النَّبيثة من " ن ب ث "، وتستبيث من " ب وث " أَو " ب ي ث " يُقَال " بُثْت الشَّيْء بَوْثا، وبِثْتُه بَيْثا: إِذا استخرجته.
وَمن قَوْله: صدَرْت عَن الْبِلَاد صَدَرًا: هُوَ الِاسْم، فَإِن أردْت الْمصدر جزمت الدَّال، فَهَل أوحشُ من هَذِه الْعبارَة، أَو افحش من هَذِه الْإِشَارَة؟
وَهل أدلُ على قلّة التَّفْصِيل، والبُعد عَن التَّحْصِيل، وَالْجهل بالتنتيج والتلقيح، وجوده الانتقاد والتنقيح، من قَول أبي عبد الله بن الأعرابيّ، فِي كِتَابه الموسوم بالنوادر: العدوّ: يكون للذّكر وَالْأُنْثَى بِغَيْر هَاء. وَالْجمع أَعدَاء، وأعادٍ، وعُداة، وعِديً، وعُديً، فأوهم أَن هدا كُله جمع لشَيْء وَاحِد.
وَإِنَّمَا أعدَاء: جمع عدوٌ، أجروه مُجرى فعيل صفة، كشريف وأشراف، ونصير وأنصار، لِأَن فَعولا وفَعيلا متساويان فِي العِدِّة، وَالْحَرَكَة والسُّكون، وَكَون حرف اللين ثَالِثا فيهمَا، إِلَّا بِحَسب اخْتِلَاف حرفي اللِّين، وَذَلِكَ لَا يُوجب اخْتِلَافا فِي الحكم هُنَا، أَلا تراهم سوَّوا بَين نوارٍ وصَبور فِي الْجمع، فَقَالُوا: نُوُرٌ وصُبُر؟ وَقد كَانَ يجب أَن يكَسَّر عَدُوّ على مَا كُسِّر عَلَيْهِ صبور، لكِنهمْ لَو فعلوا ذَلِك لأجحفوا، إِذْ لَو كسَّروه على " فُعُل "، للَزِمَ عُدُوٌ. ثمَّ لزم إسكان الْوَاو، كَرَاهِيَة الْحَرَكَة عَلَيْهَا، فَإِذا سكنت وَبعدهَا التَّنْوِين، التقى ساكنان، فحذفت الْوَاو، فَقيل عُدٌ، وَلَيْسَ فِي الْكَلَام اسْم آخِره وَاو قبلهَا ضمة، فَإِن أدّى إِلَى ذَلِك قياسٌ رُفِض، فقلبت الضمة كسرة، وَلزِمَ لذَلِك انقلاب الْوَاو يَاء، فَقيل " عُدٍ "، فتنكَّبت الْعَرَب ذَلِك فِي كل معتل اللَّام، على فَعُول، أَو فَعِيل، أَو فِعال، أَو فَعال، على مَا قد أحكمته صناعَة الْإِعْرَاب.
وَأما أعادٍ فَجمع الْجمع، كَسَّروا عَدُوّا على أَعدَاء، ثمَّ كَسَّروا أَعدَاء على أعادٍ، وَأَصله أعاديُّ، كأنعام وأناعيم، لِأَن حرف اللين إِذا ثَبت رَابِعا فِي الْوَاحِد، ثَبت فِي الْجَمِيع، وَكَانَ يَاء، إِلَّا أَن يُضْطَرّ إِلَيْهِ شَاعِر، كَقَوْلِه، انشده سِيبَوَيْهٍ:
والبَكَرَاتِ الفُسَّجَ العْطَامِسا
وَلَكنهُمْ قَالُوا: أعادٍ كَرَاهِيَة الياءين مَعَ الكسرة، كَمَا حكى سِيبَوَيْهٍ فِي جمع مِعطاءٍ
1 / 34
مَعاطٍ، قَالَ: وَلَا يمْتَنع أَن يَجِيء على الأَصْل معاطِيّ، كأثافي، فَكَذَلِك لَا يمْتَنع أَن يُقَال أعاديُّ.
وَأما عُداة فَجمع عادٍ، حكى أَبُو زيد عَن الْعَرَب: أشمت الله عادِيَك، أَي عَدُوّك، وَهَذَا مُطَّرِد فِي بَاب فَاعل، مِمَّا لامه حرفُ عِلّة، اعني أَن يكَسَّر على فُعَلَة، كقاضٍ وقُضاة، ورامٍ ورُماة، وَهُوَ قَول سِيبَوَيْهٍ فِي بَاب تكسير مَا كَانَ من الصّفة عِدَّتُه أربعةُ أحرف، وَهَذَا شَبيه اكثر النَّاس، فِي توهمهم أَن كماةً جمع كَمِيّ، وفعيل لَيْسَ مِمَّا يكسر على فُعَلة، وَإِنَّمَا جمع كمىّ أكْماء، حَكَاهُ أَبُو زيد. فَأَما كُماة فَجمع كامٍ، من قَوْلهم: كَمى شجاعته وشهادته: كتمها.
وَأما عِديً وعُديً فاسمان للْجمع، لِأَن فِعَلًا وفُعَلًا ليسَا بصيغتي جمع، إِلَّا لفِعْلة أَو فُعْلة، وَرُبمَا كَانَت لفَعْلة، وَهِي قَليلَة، وَذَلِكَ كهَضْبة وهِضَب، وبَدَرْة وبِدَر.
فَأَيْنَ علم أبي عبد الله ابْن الْأَعرَابِي بأسرار هَذِه الصِّيَغ من علمي، أَو فهمه لغوامض تأولها من فهمي؟ إِلَى غير ذَلِك، مِمَّا لَو تقصَّيته لأتعبت الخاطر، وملأت القماطر، لكني آثرت طَرِيق التقليل، إِذْ أقلّ من ذَلِك كافٍ فِي التَّمْثِيل.
فَلَمَّا رأى أيده الله تِلْكَ الْكتب المصنَّفة فِي هَذِه اللُّغَة الرئيسة، الرائقة النفيسة، لم يرضها أسلاكا لِتُومِها، وَلَا أفلاكا لطوالع نجومها، فأزمع التَّأْلِيف، وَأجْمع بِذَاتِهِ فِيهَا التصنيف، ليُودعها صِوَانا يشاكل قدرهَا، وإيوانا عاديًّا يماثل خطرها، وَهَذِه عَادَة همته فِيمَا يبتنيه من علَىِّ المفاخر، ويقتنيه من سَنِيِّ المآثر، إِنَّمَا لَهُ من كل مجد عُيونه، وَمن كل فَخر عَذَارَاه لاعُونُه، وَإِنَّمَا هُوَ كَمَا قَالَ أَبُو الطَّيِّب:
تَرَفَّعَ عَن عُون المكارمِ قدْرُه ... فَمَا يفعَل الفَعْلات إِلَّا عَذَاريا
فرُبَّ عَوَانٍ قد أسفرتْ إِلَيْهِ مِنْهَا، فغضَّ طَرْفه دونهَا تنزها عَنْهَا، وَكم بِكْرٍ مِنْهَا أَتَتْهُ عفوا، فَشرب بهَا صفوا! وَقد لجّ بِغَيْرِهِ فِي إثْرهَا الجدّ، وخيرٌ من الجِدّ عِنْدِي الجَدّ، وَإِن
1 / 35
كَانَت المطالب الجسيمة، والمناقب الْحرَّة الْكَرِيمَة، لابد لَهَا من اغتراق الجَلَد، واعتراق قوى المهجة والجسد، وَمن طلب الرَّوْضَة الأُنُف، ورَكَضَ إِلَيْهَا الجيادَ الخُنُف، ومِن حُكْم الرائد صدق الْأَهْل، " صَعْبُ العُلَى فِي الصّعب والسَّهلُ فِي السَّهل ".
ثمَّ انه عاقه عَن التصنيف فِيهَا مَا نيط بِهِ من علائق السِّياسة، وأعباء الرياسة، وشغله عَن ذَلِك مَا حُبِيَ بِهِ من إدارته الممالك، وتأمينه المسالك، وخوضه بقَدَاميس الجيوش المهالك، أروى الله سِنَانه، وَأطَال بنانه، وَزَاد حَيَاة جنانه، وأمْهَى فِي مُدَّة الْبَقَاء عِنانَه، فالتمس من يؤهِّل لذَلِك من لُباب عبيده، وصُيَّاب عَديده، فَوجدَ مِنْهُم فُضَلاءَ خِيارا، ونُبَلاءَ أحبارا، لَكِن رَآنِي أطولهم يدا، وأبعدهم فِي مضمار العِتاق مدى، فَأمرنِي بالتجرّد لهَذِهِ الْإِرَادَة، وكساني بذلك ثوب التنويه والإشادة، وَأرَانِي كَيفَ أملك عنان الْحَقِيقَة، وَمن أَي المآتي أسلك مِتان الطَّرِيقَة، فأطعت وَمَا أضعت، وأجدت كلما أردْت، فأعلقت وأفلقت، وألفت كتابي الملخص، الَّذِي سميته " المُخِصَّص "، وَهُوَ على التَّبْوِيب، فِي نِهَايَة التَّهْذِيب، وَقد أريتُ فِي صَدره: لم أردْت وَضعه على ذَلِك، وهيئته بكيفية ورتبته، مُوَدَعةٌ فِي سِرّ خُطْبَته.
ثمَّ أَمرنِي بالتأليف على حُرُوف المعجم، فصنَّفت كتابي " الموسوم بالمحكَم "، وَهُوَ الَّذِي اختطابي نداءٌ عَلَيْهِ، وخطابي لَك حُداء بك إِلَيْهِ. فَرد بَدَائِع زهره، ورد مشار نهره، وتمش فِي بساتينه، وقلَّب طرفك فِي تهاويل رياحينه، ومِلْ إِلَيْهِ عينا وأُذْنا، تأْنَقْ بِهِ نَعْمَةً
1 / 36
وحُسْنا، وَلَا يرمينَّك الْحَسَد بِمَا يَكْمَدُ مِنْهُ الرّوح والجسد، فَإِنَّهُ لَا رَاحَة لحسود، وَلَا نعْمَة دائمةً لكَنُود.
وَفِي تَعَبٍ مَن يَحسُدُ الشَّمسَ نورَها ... ويَجْهَدُ أَن يأْتِي لَهَا بضريبِ
فَإِن كتَابنَا هَذَا مدعاة للنفوس الشاردة، مذكاة للقلوب الهامدة، معلقَة بفؤاد المتفهم، مأنقة لعين النَّاظر المتوسم، روض مَا أزهى أزاهيره، وأبهى فِي عُيُون اأافاهيم أشاهيره! وَإِن كنت إِنَّمَا أطفْت الْأَنْوَار بالعميان، وزففت الْأَبْكَار إِلَى الخصيان، غير انه إِذا سعد بِرِضا الْأَمِير، أَطَالَ الله بَقَاءَهُ - وأدام عزته وعلاءه - فقد أغْنى عَن الوشل الْبَحْر، وَإِذا الشَّمْس لم تغرب فَلَا طلع الْبَدْر، وَلَو كَانَ لكتابي هَذَا نَفْسٌ مُنْطَقة، ولسان مُطلقَة، لأنشد قَول أبي الطَّيِّب:
غَضَبُ الحسودِ إِذا لَقيتُكَ رَاضِيا ... رُزْءٌ أخَفُّ عليَّ مِنْ أنْ يُوزَنا
وَهَذَا أَوَان أُجَلِّي عَلَيْك جمهرة أَوْصَافه، إِن لم يغُرَّك حسد مالكٌ لَك عَن إنصافه، وَإِن أَبيت إِلَّا الحسادة فَذَلِك إِلَيْك، لِأَن الخسران إِنَّمَا يثبت فِي يَديك، وَقد قَالَ الْحَكِيم الَّذِي لَا يُدْفع فَضله: لَا يحزنك دم هَراقه أهلُه.
إِن كتَابنَا هَذَا مشفوع الْمثل بِالْمثلِ، مقترن الشكل بالشكل، لَا يفصل بَينهمَا غَرِيب، وَلَا أَجْنَبِي بعيد وَلَا قريب، مهذب الْفُصُول، مُرَتّب الْفُرُوع بعد الْأُصُول، وَمن شافه علما من علم الضَّرُورَة، لم يأل فِي التحفظ بِتَقْدِيم الْمَادَّة على الصُّورَة. هَذَا إِلَى مَا تحلَّى بِهِ من التَّهْذِيب والتقريب، والإشباع والاتساع، والإيجاز والاختصار، مَعَ السَّلامَة من التّكْرَار، والمحافظة على جمع الْمعَانِي الْكَثِيرَة، فِي الْأَلْفَاظ الْيَسِيرَة، فكم بَاب فِي كتب أهل اللُّغَة أطالوه، بِأَن أخذُوا محموله على أَنْوَاع جمَّة، وأخذته أَنا على الْجِنْس، فغنيت عَن ذكر الْفُرُوع بِذكر القِنْس، فَإِنَّهُ إِذا كَانَ الْمَحْمُول مأخوذًا على الْحَيَوَان، فَلَا محَالة انه مَأْخُوذ على السَّبع وَالْفرس وَالْإِنْسَان، وَغير ذَلِك من الْأَنْوَاع الَّتِي نجد الْحَيَوَان لَهَا جِنْسا، فَرب
1 / 37
سطر من كتابي يغترف من كتب اللُّغَة فِي الْخط سطورا، فَإِذا حُصِّل جَوْهَر الْكَلَام، عَادَتْ أَبْوَابهم لأبوابي شطورا، كَقَوْل أبي عبيد: سَمِعت الشَّيْبَانِيّ يَقُول: الأنوف: يُقَال لَهَا المَخاطِم، وَاحِدهَا: مَخْطِم. وَقلت أَنا فِي تَعْبِيره: المَخْطِمُ: الْأنف. وغنيت عَمَّا سوى ذَلِك، لِأَنَّهُ إِذا كَانَت الْكَلِمَة مَفْعِلا، فجمعها مَفاعِل، وَلَا يلْزم إِذا كَانَ لفظ الْجمع مَفاعل، أَن يكون الْوَاحِد مَفْعِلا، بل قد يكون مَفْعِلا، ومَفْعِلا، ومَفْعَلا فِي بعض الْمَوَاضِع، ومَفْعَلة، ومَفْعَلة، ومَفْعُلة.
وَكَقَوْلِه: الذآنين: نبت، والطَّراثيث: نبت، الْوَاحِد ذؤنون، وطُرْثوث، وَيُقَال: خرج النَّاس يتذأننون ويتطرثثون: إِذا خَرجُوا يطْلبُونَ ذَلِك. فغنيت أَنا عَن هَذِه الْعبارَة الْكَثِيرَة العناء، الْيَسِيرَة الْغناء، بِأَن قلت فِي الذَّال: الذؤنون: نبت، وَفِي الطَّاء: الطرثوث: نبت، لِأَن الشَّيْء إِذا كَانَ فُعْلولا، فَجَمعه لَا محَالة فَعاليل، وَإِذا كَانَ الْجمع فعاليل، لم يلْزم أَن يكون الْوَاحِد فُعْلولا وَحده، بل قد يكون فِعْلالا، وفِعْليلا، وفِعْلالة، وفِعْيِلة. وَكَذَلِكَ اكتفيت من قَوْله: خرج النَّاس يتذأنْنِون ويتطِرْثِثون: إِذا خَرجُوا يطْلبُونَ ذَلِك، بِأَن قلت: تذأْنِنُوا وتطِرْثِثُوا: طلبُوا ذَلِك. واقبح مَا فِي هَذِه الْعبارَة تَقْدِيمه الْجَمِيع على الْوَاحِد، وَهَذَا فِي كِتَابه وَكتب غَيره من أهل اللُّغَة كثير شَائِع، مستطير ذائع. وَهل أغرب من تَقْدِيم المركَّبات على البسائط؟ وناظرٌ إِلَى تقديمُهم أبنية اكثر الْعدَد، على أبنية أَقَله، إِذا كَانَ الْوَاحِد يَعتْقِب عَلَيْهِ بِنَاء أقلّ الْعدَد، وَهُوَ مَا بَين الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة، وَهُوَ الَّذِي يَدعُوهُ القدماء الْآحَاد، وَبِنَاء اكثر الْعدَد، وَهُوَ مَا زَاد على ذَلِك، حَتَّى إِذا كَانَ للْوَاحِد بِنَاء وَاحِد من أدنى الْعدَد، أَو بِنَاء وَاحِد من أَكْثَره، لم ينبهوا على انه لَا بِنَاء جمع لَهُ إِلَّا ذَلِك؛ وَللَّه در حذَّاق النَّحْوِيين، سِيبَوَيْهٍ فَمن دونه، فِي التَّحَرُّز من ذَلِك، وَأَيْنَ أجسم فَائِدَة فِي هَذِه الجموع من قَول سِيبَوَيْهٍ فِي الشَّيْء الَّذِي ينْفَرد بِبِنَاء وَاحِد من الْجمع، انه لَا يكسَّر على غير ذَلِك، كالأفئدة، والأكُفّ، والأقدام، والأرجل، وَغير ذَلِك، مِمَّا لَا أَسْتَطِيع وقفك على جَمِيعه، إِلَّا بِقِرَاءَة كتاب سِيبَوَيْهٍ، الَّذِي هُوَ نور الْآدَاب، ومادة أَنْوَاع الْإِعْرَاب.
فَإِن رَأَيْت قَضِيَّة من كتابي قد ساوت قَضِيَّة من كتب أهل اللُّغَة فِي اللَّفْظ، أَو قاربتها، فاقرن الْقَضِيَّة بالقضية، يلُح لَك مَا بَينهمَا من المزيَّة، إِمَّا بفائدة يجلُّ موضعهَا، وَإِمَّا بِصُورَة عبارَة يَلَذُّ موقعها، كَقَوْل أبي عبيد: تَمَأَّى الجلدُ تَمَئِّيا، مِثَال: تَمَعَّى تَمَعِّيا، تفَعَّل تفعُّلا: إِذا اتَّسع. وَصلى الله على نَبينَا مُحَمَّد الْقَائِل: " إِن من الْبَيَان لسحرا ". وَأَيْنَ هَذَا من قولي بدل
1 / 38
هَذِه الْعبارَة: مأَوْتُ الجِلْدَ ومَأَيْتُه ومَأَّيْتُه، فتَمَأَّى، وَلَو لم يَك فِي ذَلِك إِلَّا ذكرى الْبَسِيط الَّذِي هُوَ مَأَوْتُ ومَأَيْتُ، وحملي عَلَيْهِ الانفعال المتركب بِالزِّيَادَةِ، الَّذِي هُوَ تمأَّى، وَإِنَّمَا اعني بالانفعال هُنَا: التفَعُّل، وآثرته، لِأَنَّهَا عبارَة المنطقيين. وَكَقَوْلِه التَّناوُش: التناوُل، والنَّوش مِنْهُ، نُشْت أنوش. وَقلت أَنا مَكَان ذَلِك: نُشْتُ الشَّيْء نَوْشا تناولته، والتَّناوُش من النَّوْش: كالتناوُل من النَّوْل، أَولا ترى إِلَى اخْتِصَار هَذِه الْعبارَة وإجادتها، وحملي مُرَكَّبَها على بسيطها؟ إِلَى غير ذَلِك، مِمَّا لَو تقصّيته لطالت بِهِ خطْبَة كتابي، واكثر المتدرسون عَلَيْهِ عتابي، وَلَكِنِّي اقْتصر من ذَلِك على التَّمْثِيل، مغنيا بِهِ عَن التَّفْصِيل.
وَأما مَا فِي كتاب " الْإِصْلَاح " و" الْأَلْفَاظ "، وَكتب ابْن الأعرابيّ، وَأبي زيد، وَأبي عُبَيْدَة، والأصمعي وَغَيرهم، من أَمْثَال هَذَا الَّذِي وصفت، فاكثر من أَن يُحْصى مدده، أَو يحصر عدده، وَهل يقوم بانتقاد هَذَا النَّوْع إِلَّا مثلي، من ذَوي الْحِفْظ الْجَلِيل، والاضطلاع بِعلم النَّحْو وصناعة التَّحْلِيل، وَإِن كنت بَين حثالة جهلت فضلي، وأساء الدَّهْر فِي جمعهم بمثلي، وَهل ينفع اليائس من الْحَيَاة بكاه، احْمَد الله على كل حَال وَلَا أتشكَّاه.
وَمن غَرِيب مَا تضمنه هَذَا الْكتاب، تَمْيِيز أَسمَاء الجموع من الجموع، والتنبيه على الْجمع الْمركب، وَهُوَ لذِي يُسَمِّيه النحويون جمع الْجمع، فَإِن اللغويين جمًّا لَا يميزون الْجمع من اسْم الْجمع، وَلَا ينتبهون على جمع الْجمع. وَمن الْأَبْنِيَة مَا يجوز أَن يكون جمعا، وَأَن يكون جمع جمع، وَذَلِكَ أدقّ مَا فِي هَذَا الْجِنْس المُقتضي للْجمع، فَإِذا مَرَرْنَا فِي كتَابنَا بِمثل هَذَا النَّوْع من الْجمع، أعلمنَا أَيهمَا أولى بِهِ: الْجمع أم جمع الْجمع، كَقَوْلِه تَعَالَى: (فَرُهُنٌ مَقْبُوضَةٌ) . فَهَذَا إِمَّا أَن يكون جمع رهن، كسَحْل وسُحُل، وسَقْف وسُقُف، وَإِمَّا أَن يكون رهن كُسِّر على رِهان، ثمَّ كسِّر رهان على رُهُن، فَيكون على هَذَا رُهُن جمع الْجمع، لِأَن الْجمع إِذا كَانَ على شكل الْوَاحِد، ثمَّ كسر، فَحكمه أَن يكسر على مَا كسر عَلَيْهِ الْوَاحِد المُشاكِلُ لَهُ فِي الْبناء؛ أَلا ترى أَن أَفْعُلًا نَحْو أَوْطُب، لما كُسِّر قيل أَوَاطب، كَمَا قيل فِي جمع أَبْلُمٍ، وَهِي لُغَة فِي أبْلَمٍ أبالم، لِأَن أوْطُبا بزنة أَبْلُمٍ، وَإِذا اتّفقت العِدَّتان فِي الْجمع وَالْوَاحد، وَإِن اخْتلفت الحركات، أَو اخْتلف بَعْضهَا - فَحكمهَا فِي الْجمع سَوَاء، وَذَلِكَ نَحْو: أسْقِيةٍ وأساقٍ، وأسوِرَةٍ وأساوِر، شبهه سِيبَوَيْهٍ بأَنْمُلَة وأنامِل، حِين لم يجد فِي الْوَاحِد أَفْعِلة، لم يجد شَيْئا أقرب إِلَيْهِ من أَفْعُلَة، فَإِذا كَانَ ذَلِك فِيمَا يخْتَلف بعض حركاته، كَانَ فِيمَا يتَّفق نَحْو أَوْطُبٍ وأبْلُمٍ أَجْدَر أَن يتَّفق فِي الْجمع؛ فَكَذَلِك رهان أَعنِي
1 / 39
جمع رَهْن، لما تصوَّر على شكل كتاب وَمِثَال وَنَحْوهمَا، وَكَانَ هَذَا الضَّرْب من الأشكال يكسَّر على فُعُل، نَحْو كُتُب ومُثُل، كسِّر على مثل مَا كسر عَلَيْهِ ذَلِك الْوَاحِد، فَقيل رُهُن؛ فَإِذا كَانَ مثل هَذَا كَذَا، جَعَلْنَاهُ جمعا وَإِن كَانَ نَادرا، وَلم نحمله على انه جمع جمع، لِأَن جمع الْجمع قَلِيل فِي الْكَلَام الْبَتَّةَ، إِذْ لَيْسَ بِأَصْل؛ أَلا ترى أَنه إِن وسعنا جمع الْجمع قِيَاسا، وسعنا جمع جمع الْجمع؟ وَإِنَّمَا يحمل سِيبَوَيْهٍ صِيغَة الْجمع، على جمع الْجمع، إِذا لم يجد عَن ذَلِك موئلا محرزا، وَلَا معقلا محتجزا.
وَمن طريف مَا اشْتَمَل عَلَيْهِ الْكتاب: الْفرق بَين التَّخْفِيف البدلي، وَالتَّخْفِيف القياسي، وهما نوعا تَخْفيف الْهَمْز، كَقَوْلي: إِن قَول الْعَرَب أخطيت لَيْسَ بتَخْفِيف قياسي، وَإِنَّمَا هُوَ تَخْفيف بدلي مَحْض، لِأَن همزَة أَخْطَأت همزَة سَاكِنة قبلهَا فَتْحة، وَصُورَة تَخْفيف الْهمزَة الَّتِي هذي نصبتها: أَن تخلص ألفا مَحْضَة، فَيُقَال: أخْطات، كَقَوْلِهِم فِي تَخْفيف كأس: كاس، لِأَن " طأت " من أَخْطَأت، بِمَنْزِلَة كأس، كَمَا أَن " طَلِقْ " من انْطَلِق، على وزن فَخِذ، فَلذَلِك قيل: انْطَلْقْ، فِي انْطَلِقْ، كَمَا قيل: فَخْذ؛ وَإِذا انْقَطع من المركَّب شَيْء على شكل الْبَسِيط، فَهَذَا حكمه، اعني أَن يُعَامل مُعَامَلَته، وعَلى نَحْو هَذَا وجَّهَ الْفَارِسِي قَول امْرِئ الْقَيْس:
فاليَوْمَ أشْرَبْ غَيرَ مُسْتَحْقِبٍ ... إْثما مِنَ اللهِ وَلَا وَاغِلِ
قَالَ: إِنَّمَا أَرَادَ: أشْرب غير، متصوّرا فِي أثْنَاء ذَلِك من الْكَلِمَتَيْنِ " رَبُغَىْ " على شكل عَضُدٍ، فَخفف الثَّانِي من هَذَا الشكل، وَهِي بَاء " رَبْغَىْ "، كتخفيف ثَانِي عَضُدٍ، فَقَالَ: رَبْغَىْ، كعَضْدٍ، وَمثله كثير. فَكَذَلِك مثلت مَا تصور من أَخْطَأت، على صُورَة كأس، بِلَفْظ كاس، فَلَمَّا لم أجد أخطيت مقتضية للتَّخْفِيف القياسي، قلت: إِنَّه بدليّ.
وَقد أبنت أشباه هَذَا فِي كتابي الموسوم " بالوافي، فِي أَحْكَام علم القوافي " وَهَذَا الَّذِي أبنت لَك فِي أخطيت وَنَحْوه، بَاب لطيف قد نبا عَنهُ طبع أبي عبيد وَابْن السّكيت وَغَيرهمَا من متأخري اللغويين؛ فَأَما قدماؤهم فأضيق باعا، وأنبى طباعا؛ أَلا ترى ابْن الأعرابيّ يَقُول فِي كِتَابه الموسوم بالنوادر: وَمِمَّا يهمز ويخفف قَوْلهم: هاوَأْتُهُ وهاوَيتُه، وذِئب وذِيب، فخلط البدلي وَهُوَ هاوَيتُه، بالقياسي وَهُوَ ذِيب. وَقد نحا أَبُو عبيد فِي كِتَابه الموسوم " بالمصَنَّف " هَذِه المنحاة الَّتِي نحاها ابْن الْأَعرَابِي، وَأَيْنَ أغرب من اعْتِدَاد أبي عبيد
1 / 40
الْمِيزَاب لُغَة فِي المئزاب، مَعَ أَن الْعَرَب لم تجمعه إِلَّا على مآزيب، وَلَو كَانَ الْمِيزَاب لُغَة وضعية، أَو تَخْفِيفًا بدليًاّ، لقيل فِي جمعه: ميازيب، أَو موازيب، فَأن لم يَقُولُوا ميازيب، دَلِيل على أَن يَاء ميزاب همزَة.
وَمن أغرب مَا تضمنه هَذَا الْكتاب، أَن يكون الِاسْم يُكَسَّر على بِنَاء من أبنية أدنى الْعدَد أَو أَكْثَره، لَا يتَجَاوَز إِلَى غَيره، فَإِذا جَاءَ مثل هَذَا، قُلْنَا: إِنَّه لَا يُكَسَّر على غير ذَلِك، وَذَلِكَ نَحْو الأفئدة، والأذرع، والأكُفّ والأقدام، والأرجل، فَإِنَّهُ لَا يكسَّر وَاحِد من هَذِه عِنْد سِيبَوَيْهٍ على غير هَذِه الْأَبْنِيَة الدَّالَّة على أدنى الْعدَد، وَإِن عني بِهِ الْكثير.
وَمِمَّا انْفَرد بِهِ كتَابنَا: الْفرق بَين الْقلب وَالْبدل، وَعقد اسْم الْفَاعِل بِالْفِعْلِ إِذا كَانَ جَارِيا عَلَيْهِ، بِالْفَاءِ، وعقده إِذا لم يكُ جَارِيا عَلَيْهِ، بِالْوَاو، وَذَلِكَ لسَبَب دَقِيق فلسفي، لطيف خَفِي نحويّ.
وَمِنْه التَّنْبِيه على شَاذ النَّسَب، وَالْجمع، والتصغير، والمصادر، وَالْأَفْعَال، والإمالة، والأبنية، والتصاريف، والإدغام، وتخليص الْقَضِيَّة من الحشو، حَتَّى لَا سَبِيل إِلَى الزِّيَادَة فِيهَا، وَلَا النُّقصان مِنْهَا الْبَتَّةَ.
وَمن طريف اختصاره، ورائق بديع نظم تِقْصاره أَنِّي إِذا ذكرت " مِفْعَلا "، لم أذكر " مِفْعالا "، لعلمي أَن كل " مِفْعل " مقصورٌ على " مِفْعال "، على مَا ذهب إِلَيْهِ الْخَلِيل، وَلذَلِك صحَّت الْعين من " مِفْعل " إِذا كَانَت واوا أَو يَاء، نَحْو: مِجْوَب ومِخْيَط، لِأَنَّهُمَا فِي نِيَّة مِجْواب ومِخْياط.
وَمِنْه: أَنِّي لَا أذكر " أفْعالَّ " إِذا ذكرت " افْعَلَّ " من الألوان، لِأَن كل " افْعَلَّ " عِنْد سِيبَوَيْهٍ من الألوان، محذوفة من " أفْعالّ " إِيثَار التَّخْفِيف.
وَمِنْه: أَنِّي إِذا ذكرت " فُعَلِلًا " أَو " فَعَلِلًا " لم أذكر " فُعالِلًا " وَلَا " فَعالِلَ " نَحْو: عُلَبِطٍ وجَنَدِلٍ، وَذَلِكَ لِأَن كل " فُعَلِل " مَقْصُور من " فُعالِل "، وكل " فَعَلِل " مَقْصُور من " فَعالل "، لِأَنَّهُ لَيْسَ من كَلَامهم التقاء أَربع متحركات وضعا، إِلَّا بعد توَسط الْحَذف، وَقد أبنت ذَلِك فِي كتابي: " الملخَّص فِي العَرُوض ".
وَمِنْه: أَنِّي لَا أذكر الْجمع المسلَّم إِلَّا أَن يكون تَشْبِيها بالمُكَسَّر فِي كَونه سماعيا، نَحْو:
1 / 41
أرَضِين وإحَرِّينَ، وَغير ذَلِك مِمَّا جمع بِالْوَاو وَالنُّون، وَقد كَانَ حكمه أَلا يسلم إِلَّا بالالف وَالتَّاء، نَحْو: بَاب فرسنات وسجلات وسرادقات، وَنَحْو ذَلِك من الجموع الَّتِي يسْتَغْنى فِيهَا بِالتَّسْلِيمِ عَن التكسير.
وَمِنْه: أَنِّي لَا أذكر تكسير الْمَزِيد من الثلاثي، وَلَا تكسير بَنَات الْأَرْبَعَة، وَلَا يعتل عَليّ بذكرى متائيم فِي جمع متئم وَنَحْوه، فَإِنَّمَا أذكر ذَلِك لأشعر أَن " مفعلا " فِي نِيَّة " مفعال ". وَكَذَلِكَ لَا يعتل عَليّ بذكرى قراديد فِي جمع قردد، لِأَنَّهُ نَادِر، لما ستقف عَلَيْهِ فِي هَذَا الْكتاب.
وَمِنْه: أَنِّي لَا أذكر مَا جَاءَ من جمع فَاعل المعتل الْعين على " فعلة " إِلَّا أَن يَصح مَوضِع الْعين مِنْهُ، نَحْو حوكة وحولة، فَأَما مَا جَاءَ مِنْهُ مُعْتَلًّا طباعة وسَادَة، فَلَا اذكره وَلَا طراده. وَكَذَلِكَ لَا أذكر مَا جَاءَ من جمع فَاعل المعتل اللَّام على " فعلة " نَحْو: قُضَاة ورماة، لِأَن هَذَا مطرد أَيْضا. وَكَذَلِكَ ادْع مَا جَاءَ من جمع " فاعلة " على " فواعل " لَا طراده أَيْضا.
وَمِنْه: أَنِّي أذكر اسْم الْمصدر الَّذِي يَجِيء من " فعل يفعل " على " مفعل "، لاطراده، فَأَما مَا جَاءَ مِنْهُ على " مفعل " كالمرجع والمقيل والمحيض، فلازم ذكره، لكَونه سماعيا. وَكَذَلِكَ لَا أذكر مَا جَاءَ من أَسمَاء الزَّمَان من " يفعل " على " مفعل " لاطراده. وَلَا أذكر مَا جَاءَ مِنْهُمَا على " مفعل " من " فعل يفعل "، أَو " فعل يفعل ". وَكَذَلِكَ أَسمَاء الْمَكَان، إِلَّا أَن يشذ شَيْء كمشرق ومغرب وَمَسْجِد ومنبت ومطلع.
وَمِنْه: أَنِّي لَا أذكر اسْم الْمصدر وَالزَّمَان وَالْمَكَان من الْأَفْعَال الثلاثية المعتلة الْعين أَو اللَّام، لِأَن بِنَاء ذَلِك فِي جَمِيع هَذِه الْأَنْوَاع مطرد، فَإِن شَذَّ من ذَلِك شَيْء ذكرته، نَحْو مأوى الْإِبِل، وَقد ذكرت فَسَاد بنائِهِ فِي كتابي الموسوم بالمخصص.
وَمِنْه: أَنِّي لَا أذكر أَفعَال التَّعَجُّب فِيهِ الْبَتَّةَ، لاطراد صيغها، وانه إِذا كَانَت صِيغَة فعل، أمكن التَّعَجُّب مِنْهُ إِمَّا بوسيط، وَإِمَّا بِغَيْر وسيط، على مَا أحكمته صناعَة الْإِعْرَاب، فَأَما إِن كَانَ فعل التَّعَجُّب مأخوذا من غير فعل، فَإِنِّي أذكر ذَلِك الْفِعْل للتعجب، نَحْو مَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهٍ من قَوْلهم: هُوَ أحنك الشاتين، وآبل النَّاس، فانهما لَا فعل لَهما عِنْده قبل التَّعَجُّب، فَأَما إِذا كَانَ فعل لَا تعجب مِنْهُ، فَإِنِّي أذكر أَن ذَلِك الْفِعْل لَا تبنى مِنْهُ صِيغَة
1 / 42
تعجب، نَحْو مَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهٍ من انهم لم يَقُولُوا مَا أجوبه! استغنوا عَنهُ بقَوْلهمْ: مَا احسن جَوَابه! قَالَ: وَكَذَلِكَ لم يَقُولُوا مَا أقيله من القائلة، اسْتغْنَاء عَنهُ بقَوْلهمْ: مَا أنومه فِي وَقت كَذَا. وَكَذَلِكَ أذكر صِيغَة التَّعَجُّب إِذا كَانَت للْفِعْل الْمَوْضُوع للْمَفْعُول، دون الْفَاعِل، فَإِن هَذَا سَمَاعي غير مطرد، نَحْو مَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهٍ من قَوْلهم: مَا أمقتها وَمَا أشهاها وَمَا أبغضها! فَكل هَذَا أحافظ على ذكره، لكَونه سماعيا غير قياسي.
وَمِنْه: أَنِّي إِذا رَأَيْت صِيغَة مفعول لَا فعل لَهُ، أشعرت بذلك، نَحْو: مُدَرْهَم، ومَفئود، أَعنِي الجبان، لَا الْمُصَاب الْفُؤَاد، وَمَاء معِين فِي قَول بَعضهم. فَإِن كَانَ لَهُ فعل غير مُتَعَدٍّ أعلمت بِهِ، وَقلت إِنَّه لم يصغ لفظ مفعول مِنْهُ، نَحْو مَا حَكَاهُ الْفَارِسِي من قَول الْعَرَب: دَرْهَمَتِ الخُبَّازَي، أَي صَارَت على شكل الدِّرْهَم.
وَمن بديع تلخيصه، وغريب تلخيصه، أَنِّي أذكر صِيغَة الْمُذكر، ثمَّ أَقُول: وَالْأُنْثَى بِالْهَاءِ، فَلَا أُعِيد الصِّيغَة، وَإِن خَالَفت الصِّيغَة أعلمت بِخِلَافِهَا، إِن لم يكن قياسيا، نَحْو: بنت أَو أُخْت.
وَمِنْه: أَنِّي إِذا رَأَيْت فعلا لَا مصدر لَهُ، أشعرت بمكانه، وَذَلِكَ نَحْو: يذر ويدع، فَإِنِّي أَقُول فِي مثل هَذَا، وَلَيْسَ لهَذَا مصدر. وَكَذَلِكَ إِن لم يكن للْفِعْل مَاض أعلمت بِهِ أَيْضا، وَذَلِكَ كهذين الْفِعْلَيْنِ اللَّذين لَا مصدر لَهما، فَإِنَّهُ لَا ماضي لَهما، فَإِن كَانَ للْفِعْل مصدر قد عوض إِيَّاه من غير لَفظه، قلت: لَا مصدر لَهُ إِلَّا هَذَا، نَحْو مَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهٍ من قَوْلهم: هُوَ يَدَعَه تَرْكا.
وَمِنْه: أَنه إِذا جَاءَ الْبناء يدل على الْمَعْنى: إِمَّا باللزوم، وَإِمَّا بالغلبة، قلت: إِن هَذَا لَازم، إِن كَانَ لَازِما، أَو غَالب إِن كَانَ غَالِبا، نَحْو مَا يحكيه سِيبَوَيْهٍ فِي صِيغ الْأَفْعَال كأَفْعَلْتُ بمعانيها، واسْتَفْعلتُ، وافْتَعلْتُ، وفَعَّلْت، وافْعَوْعَلت، وَأَشْبَاه ذَلِك. وَكَذَلِكَ إِذا جَاءَ الْمصدر قد كثر فِي بعض الْمعَانِي أعلمت بكثرته، نَحْو القوانين الَّتِي حَكَاهَا سِيبَوَيْهٍ فِي أول بَاب من المصادر.
وَمن ذَلِك أَن أفرِّق بَين الفِعل المنقلب عَن الفِعْل، وَبَين الْفِعْل الَّذِي هُوَ لُغَة فِي الفِعْل، وَلَيْسَ بمنقلب عَنهُ، بِوُجُود الْمصدر وَعَدَمه، كجذب وجبذ، فانهما لُغَتَانِ، لِأَن لكل وَاحِد مِنْهُمَا مصدرا، وَأما يئس وأيس فالأخيرة مَقْلُوبَة عَن الأولى، لِأَنَّهُ لَا مصدر لأيس، وَلَا يحْتَج بإياسٍ: اسْم رجل، فانه فعال من الْأَوْس، وَهُوَ الْعَطاء، كَمَا يُسمى الرجل عَطِيَّة،
1 / 43
وَهبة الله، وَالْفضل.
وَمِنْه: أَنه إِذا تغير شكل المقلوب عَمَّا انقلبت عَنهُ، أعلمت أَن تحول شكله لَا يُبرئهُ من الانقلاب عَمَّا انْقَلب عَنهُ كَمَا حَكَاهُ الْفَارِسِي من قَول الْعَرَب: لَهُ جاه عِنْد السُّلْطَان، فَإِن هَذَا مُنْقَلب عَن وَجه، وَإِن تغير الْبناء.
وَمن ذَلِك تنبيهي على كل مَا يهمز، مِمَّا لَيْسَ اصله الْهَمْز، من الِاشْتِقَاق، كَقَوْلِهِم: الذِّئْب يستنشيء الرّيح، وَإِنَّمَا هُوَ من النشوة، وَكَذَلِكَ مَا زيدت فِيهِ الْهمزَة، مِمَّا لَا أصل لَهُ فِيهَا، وَلَا هُوَ مبدل من بعض حروفها، كَقَوْلِهِم: استلأمت الْحجر، وَإِنَّمَا هُوَ من السِّلام. وَكَذَلِكَ نبَّهت على مَا جَاءَ من المهموز نَادرا، مِمَّا الْمُسْتَعْمل فِيهِ غير ذَلِك، نَحْو مَا حكى عَن أبي زيد، من انه وجد فِي كِتَابه بِخَطِّهِ: الشِّئمة: الطبيعة. وَكَذَلِكَ أُنبِّه على مَا جَاءَ فِيهِ الْهَمْز، والأعرف تَركه، إِلَّا انه يتَّجه على طَرِيق الْإِعْرَاب، نَحْو مَا حكى عَن عبد الرَّحْمَن بن أخي الْأَصْمَعِي: انه وجد بِخَط عَمه: قطًا جؤنى، وَإِنَّمَا هِيَ من الجونة، الَّتِي هِيَ السوَاد، إِلَّا أَن هَذَا امثل حَالا من جَمِيع مَا تقدم من هَذَا النَّوْع، لِأَن أَبَا حَيَّة النُّميري كَانَ يهمز كل وَاو سَاكِنة قبلهَا ضمة، وعَلى هَذَا قِرَاءَة ابْن كثير: (فاسْتَغْلَظَ فاسْتَوَى على سُؤْقِهِ)، وَقِرَاءَة أبي عَمْرو (عادًا الأُؤْلَى) . وتعليل ذَلِك: أَن الْوَاو إِذا انضمت، فهمزها مطرد عِنْد سِيبَوَيْهٍ، كوُجوه وأُجُوه، فَلَمَّا سكنت الْوَاو وَقبلهَا ضمة، توهمت الضمة عَلَيْهَا، فهمزت لذَلِك. قَالَ الْفَارِسِي: وَلَيْسَت بِتِلْكَ اللُّغَة الفاشية.
وَمِنْه: تنبيهي على الْبَدَل اللَّازِم فِي حُرُوف الْعلَّة، كعيد وأعياد، وَزِير نسَاء وأزيار.
وَمِنْه: إشعاري بِالْكَلِمَةِ الَّتِي تقال بِالْيَاءِ وَالْوَاو، عينا كَانَت أَو لاما، كباب قَنَيْتُ وقَنَوْت، وإشعاري بالمعاقبة الحجازية فِي الْيَاء وَالْوَاو، لغير علَّة إِلَّا طلب الخفَّة، كصُوَّام وصُيَّام.
وَمِنْه: التَّنْبِيه على الجموع الَّتِي لم تكسر على وَاحِدهَا، كملامح ومشابه وليالٍ. وإعلامي فِي بَاب النّسَب إِلَى الْمُضَاف، إِلَى أَي المضافين يكون النّسَب؟ وإشعاري بالصيغ الْمَأْخُوذَة من حُرُوف الأول وَالثَّانِي، كعبدري وعبشمي، وتعريفي بِمَا أضيف إِلَيْهِ على لفظ الْجمع، وبالعلة الَّتِي من اجلها كَانَ ذَلِك، كأعرابي وأنصاري. وبالأسماء الَّتِي فِيهَا معنى النّسَب، وَلَيْسَت على صيغته، كلابنٍ ونابلٍ وطَعمِ وكاسٍ: من الكُسْوة، وبالصيغة الَّتِي لَا تلْحق الْمُؤَنَّث الْبَتَّةَ، كمِفْعَل، وَمَا شذَّ من ذَلِك مَعَ الْهَاء، نَحْو مَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهٍ من قَوْلهم: مِصَكّ ومِصَكَّة.
1 / 44
وَمِنْه: تنبيهي على مَا تنْقَلب عَنهُ الْألف العينية واللامية، وعَلى مَا جَاءَ من الْمثنى على غير واحده، فأحدث ذَلِك فِيهِ حكما من أَحْكَام الْعَرَبيَّة، نَحْو مَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهٍ من مِذْرَوَيْن وثِنايَيْن، وعَلى مَا بقى فِيهِ حرف الْعلَّة على حَاله فِي الْمُؤَنَّث، وَلم يُبْنَ على الْمُذكر، نَحْو مَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهٍ من مثل نُقاية ونُقاوة. وتذكيري بِمَا لَا يصغَّر من الْأَسْمَاء، نَحْو مَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهٍ من البارحة وَالثُّلَاثَاء وَالْأَرْبِعَاء.
وَمن ذَلِك: التَّنْبِيه على مَا لَا يسْتَعْمل إِلَّا ظرفا، نَحْو ذَات مرّة، وبعيدات بَين، وَجَمِيع مَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهٍ من ذَلِك.
وَمِنْه إشعاري باللفظة الَّتِي تكون للْوَاحِد والجميع، نَحْو: بادِيَ الرأيِ، ثمَّ يَأْتِي حكم بعد التعقُّب، فيشعر أَن اللَّفْظَة للْجَمِيع، على غير صيغتها فِي الْوَاحِد، نَحْو مَا حَكَاهُ سِيبَوَيْهٍ من بَاب دلاص وهجان، وإعلامي انه لَيْسَ من بَاب جُنُب ورِضىً، بِدَلِيل دِلاصَيْن وهِجانين. وتذكيري بِجمع الْأَسْمَاء الْأَعْلَام كزيد وَعَمْرو وَهِنْد ودعد، وَأَن ذَلِك جارٍ على مَا تجْرِي عَلَيْهِ الْأَنْوَاع والأجناس، على مَا أحكمه سِيبَوَيْهٍ.
وَمِنْه: تحريزي للمتدرس من الْأَسْمَاء الْأَعْلَام الَّتِي هِيَ صفة فِي أوضاعها، كالحسن وَالْعَبَّاس، وَأَن اللَّام فِي ذَلِك إِشْعَار بِالصّفةِ، وَحذف اللَّام إِشْعَار بالعلمية، نَحْو مَا انشده سِيبَوَيْهٍ من قَوْلهم:
ونابِغَةُ الجَعْدِيُّ بالرَّمْل بَيْتُهُ ... عليَهِ تُرابٌ مِن صَفيحٍ مُوَضَّعِ
وَإِنَّمَا احتجت إِلَى ذَلِك لما ينْتج من الْأَحْكَام فِي الجموع، فَصَارَ هَذَا مِمَّا يُؤْثَر لغيره لَا لنَفسِهِ.
وَمِنْه: تذكيري بالآحاد الَّتِي جَاءَت على " مَفاعِل ومَفاعيل " وَمَا شاكلها، كحضاجر، وناقة مَفَاتِيح، وإشعاري بِمَا تدخله الْهَاء لَا لعجمة، وَلَا نسب، وَلَا عوض، وَلَا جنس، كصياقلة وملائكة. إِلَى ذكرى مَا لَا أكاد أحصيه إِلَّا بعد شغب، وإطالة تَعب، نَحْو مَا
1 / 45
اسْتغنى عَن تصغيره بِلَفْظ غَيره، وَهُوَ دَال على التصغير، وتحقير الْأَحَايِين، وتوجيه ذَلِك على أَي وَجه هُوَ، من انه مفارق لطريق التصغير فِي الْمَعْنى.
وَأما مَا أتركه من الْإِشْعَار بالتذكير والتأنيث، فَإِنَّمَا ذَلِك لِأَنِّي قد أفردت لَهُ كتابا لم يوضع فِي مَعْنَاهُ مَا يوازيه، فضلا عَمَّا يُسَاوِيه. وَكَذَلِكَ الْمَمْدُود والمقصور.
وَفِي كتابي هَذَا أَشْيَاء من الِاخْتِصَار، وتقريب التَّأْلِيف، وتهذيب التصنيف، مَا لَو ذكرته كَانَ فِيهِ سفر جَامع، وَلَكِنِّي بِهَذَا الَّذِي أريت مِنْهُ قَانِع.
وَأَنت أَيهَا النّدب الْفَهم، والشهم النهم، إِذا توغلت فِي كتَابنَا هَذَا، بدا لَك من أَنْوَاع الإجادة، مثل مَا ذكرت لَك من التَّمْثِيل أَو ضعفه، وَأي اقل شِفَاء، واكثر عناءً، من إتْيَان أهل اللُّغَة بِالْفِعْلِ الْمَاضِي؛ ثمَّ إتباعهم لَهُ بآتيه ومصدره، وهما مطردان، كَقَوْلِهِم: " لم أفعلَ يُفْعِل إفْعالا "، و" افتعَلَ يَفْتعِل إفْتعِالا "، و" انفَعَل ينْفَعِل انْفعالا "، و" افعلَّ يَفْعَلُّ افْعِلالا "، و" أفعالَّ يَفعالُّ افعِيلالا "، و" افعَوَّلَ يفْعَوِّل افْعِوَّالا "، و" استفْعَل يستَفعِل استِفْعالا "، و" افعَنْلَي يفعَنْلِي افعنلاءً "، وَنَحْو ذَلِك من الشغب الَّذِي لَا أحصى عده، وَلَا أحْصر حَده. وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ فِي أَسمَاء الفاعلين مِنْهَا والمفعولين. وَهل أحد قَرَأَ أدنى بَاب من أَبْوَاب الْإِعْرَاب، الَّذِي يلْحق ذَات الْكَلِمَة أَو خَارِجهَا، إِلَّا وَقد علم أَن آتِي افْعَل إِنَّمَا هُوَ يُفْعِل، وَأَن مصدره الإفعال، وَأَن فَاعله مُفْعِل، ومفعولَه مُفْعِل، وَكَذَلِكَ أَخَوَات أفعل الَّتِي ذكرنَا، قد علم أواتيها ومصادرها، وَأَسْمَاء فاعليها ومفعوليها.
وَمن أعجب مَا اخْتصَّ بِهِ هَذَا الْكتاب: تَخْلِيص الْيَاء من الْوَاو، وَتعين مَا انقلبت عَنهُ الْألف المنقلبة، من يَاء أَو وَاو، وتحييز الزَّائِد من الأَصْل، بتخليص الثلاثي والرباعي والخماسي، وَهَذَا فصل لَا يصل إِلَيْهِ إِلَّا من قتل التصاريف علما، وأحاط بعلل مَا يَجعله زَائِدا من حُرُوف الزَّوَائِد حكما، فَإِن المتأمل إِذا تَأمل فِي كتابي مأججا ويأججا ويأجوج وَمَأْجُوج، وَرَأى مَوضِع كل وَاحِد من هَذِه، لم يفرق بَين أَحْكَامهَا إِلَّا أَن يكون مُقيتا على علم التصاريف.
وَلَيْسَت الْإِحَاطَة بِعلم كتَابنَا هَذَا، إِلَّا لمن مهر بصناعة الْإِعْرَاب، وَتقدم فِي علم الْعرُوض والقوافي، فَإِنَّهُ إِذا رأى يبرين فِي بَاب " ب ر ي " لم يعلم لأي معنى جعل بسيط الْكَلِمَة هَذِه الْحُرُوف الثَّلَاثَة، إِلَّا بعد علم بِالْعَرَبِيَّةِ أصيلٍ، وَبَاعَ فِي أَثْنَائِهَا عريض طَوِيل.
وَكَذَلِكَ إِذا رأى قولي: نُبَايِع: مَوضِع، وَهُوَ نُفاعِل من الْمُبَايعَة، سُمِّيت بِهِ الْبقْعَة بعد
1 / 46
التَّجْرِيد من الضَّمِير، فَأَما قَول أبي ذُؤَيْب:
فَكَأَنَّهَا بالجِزْعِ جِزْعِ نُباِيعٍ ... وأُلاتِ ذِي العَرْجاءِ نَهْبٌ مُجْمَعُ
فَإِنَّهُ صرف للضَّرُورَة، وَلم يُمكنهُ نُبايعَ، لِأَن قَوْله: " يِعِنْ " من نُباِيِعٍ: " عِلِنْ " وَهُوَ وتد، والأوتاد لَا تُزاحف إلاَّ بِالْقطعِ، لم يفهم قولي هَذَا إِلَّا أَن يكون نحويا عروضيا. وَكَذَلِكَ إِذا قلت لَهُ فِي بَيت عبد الرَّحْمَن بن حسان:
وكنتَ أذلَّ مِنْ وَتِدٍ بقاعٍ ... يُشَجَّجُ رأسَهُ بالفِهْرِ وَاجِ
إِن تَخْفيف " واجي " بدلي هُنَا، لِأَن الْهمزَة المخففة تَخْفِيفًا قياسيا فِي حكم المحققة، والمحققة لَا يُوصل بهَا، فَكَذَلِك المخففة إِذا كَانَت فِي نِيَّة المحققة، لم يُوصل بهَا، لم يلقن هَذَا عني إِلَّا أَن يكون عَالما بالنحو والقوافي، ومدار كل ذَلِك قِرَاءَة النّصْف الْأَخير من كتاب سِيبَوَيْهٍ، لِأَن كل ذَلِك مَرْدُود إِلَيْهِ، ومعول فِيهِ عَلَيْهِ.
وَأما مَا ضمناه كتَابنَا هَذَا من كتب اللُّغَة: فمصنف أبي عبيد، والإصلاح، والألفاظ، والجمهرة، وتفاسير الْقُرْآن، وشروح الحَدِيث، وَالْكتاب الموسوم بِالْعينِ، مَا صَحَّ لدينا مِنْهُ، وأخذناه بالوثيقة عَنهُ، وَكتب الْأَصْمَعِي، وَالْفراء، وَأبي زيد، وَابْن الْأَعرَابِي، وَأبي عُبَيْدَة، والشيباني، واللحياني، مَا سقط إِلَيْنَا من جَمِيع ذَلِك، وَكتب أبي الْعَبَّاس احْمَد بن يحيى: الْمجَالِس، والفصيح، والنوادر، وكتابا أبي حنيفَة، وَكتب كرَاع، إِلَى غير ذَلِك من المختصرات، كالزبرج، والمكنى، والمُبَنَّى، والمُثَنَّى، والأضداد والمبدل، والمقلوب، وَجَمِيع مَا اشْتَمَل عَلَيْهِ كتاب سِيبَوَيْهٍ من اللُّغَة المعللة العجيبة، الملخصة الغريبة، المؤثرة لفضلها، والمستراد لمثلهَا، وَهُوَ حلى كتابي هَذَا وزينه، وجماله وعينه، مَعَ مَا أضفته إِلَيْهِ من الْأَبْنِيَة الَّتِي فَاتَت كتاب سِيبَوَيْهٍ معللة، عَرَبِيَّة كَانَت أَو دخيلة.
وَأما مَا نثرت عَلَيْهِ من كتب النَّحْوِيين الْمُتَأَخِّرين، المتضمنة لتعليل اللُّغَة، فَكتب أبي عَليّ الْفَارِسِي: الحلبيَّات، والبغداديات، والأهوازيات، والتذكرة، وَالْحجّة، والأغفال، والإيضاح، وَكتاب الشّعْر. وَكتب أبي الْحسن بن الرماني، كالجامع، والأغراض، وَكتب أبي الْفَتْح عُثْمَان بن جني، كالمغرب، والتمام، وَشَرحه لشعر المتنبي، والخصائص، وسر
1 / 47
الصِّنَاعَة، والتعاقب، والمحتسب، إِلَى أَشْيَاء اقتضبتها من الْأَشْعَار الفصيحة، والخطب الغريبة الصَّحِيحَة.
هَذَا جَمِيع مَا اشْتَمَل عَلَيْهِ كتَابنَا " المُحْكَم "، وَهُوَ فِي هَذِه الصِّنَاعَة " الْمُحِيط الْأَعْظَم " قد دَبَّجْتُ فِتانه، وأدْمَجْت مِتانَه، وشَكَّلت آسانَه، ووكَّلْت بالإعراب عَنهُ لِسَانه، وأبرزته للدهر مفتخرا، وبذلت فِيهِ من مَكْنُون علمي مَا كنت لَهُ مدخرا، حذارا أَن يطويني ضريحي، وتتلمأ عَليّ تربتي وصفيحي، فَرَأَيْت تَركه شياعا، خيرا من أَن يذهب فِي صَدْرِي ضيَاعًا، ثمَّ أهديته إِلَى ذَوي الْأَلْبَاب، مونقا لمقلهم، ومطلقا لعقلهم، ومنشرا لما دثر من أفهامهم، وباعثا لما همد من نَار أوهامهم، يردون متون أصواحه عذبة الجمام، ويستظلون غصون أدواحه مطربة الْحمام، يتعللون مِنْهُ بِخَمْر وريق، ويسرحون من ملحه فِي بُسْتَان زَاهِر وريق، فَإِن كافئوا بِالْحَمْد، وَلم يجللوا النِّعْمَة برود الْجحْد، فقد أنصفوا من نُفُوسهم، وَلم يكسفوا بذلك من أقمارهم، وَلَا شموسهم، وَإِن تكن الْأُخْرَى، فَرب غامط لنعمة الله الَّتِي هِيَ أَسْبغ أذيالا، وأسوغ أغيالا، وأمد ظلا، وأذكى من سَمَاء كل نعْمَة وابلا وطلا:
ومِنَّي استَفادَ النَّاسُ كلَّ غَريبةٍ ... فجازُوا بتركِ الذَّمّ إنْ لم يكنْ حمدُ
ولينظروا نحوي، فَمن أبْصر فقلما تخفى ذكاء، وَمن عشى فعاذر أَلا تراني مقلة عمياء، وَللَّه قَول أبي الطَّيِّب:
ولقَدْ عَلَوْتَ فمَا تُبالي بَعدَما ... عَرَفُوا أَيحْمَدُ أمْ يَذُمُّ القائلُ
وَإِن ألوى بهم الأشر، وَقد سبقت مني إِلَيْهِم الْفقر، فَمَا عليّ أَن تفهم البَقَر؛ وَإِن تعسَّف مِنْهُم جَاهِل علينا، أَو تترَّع مِنْهُم هدم الجفر إِلَيْنَا قبل أَن يروز الْخِبْرَة،
1 / 48