ومن ذلك الحين أقبل محمد إلى العلم بكليته يلازم حلقة أبي حنيفة ويكتب أجوبة المسائل في مجلسه ويدونها بعد أن لازمه أربع سنين على هذا الوجه، مات أبو حنيفة ﵁، ثم أتم الفقه على طريقة أبي حنيفة عند أبي يوسف، ثم رحل إلى مالك ولازمه ثلاث سنين، وجملة ما سمعه من لفظ مالك من الحديث نحو (سبعمائة) حديث مسند، وسمع من سائر شيوخ المدينة في هذه الرحلة زيادة على ما كان سمعه منهم في رحلاته السابقة.
وموطأه يُعد من أجود الموطآت، إن لم يكن أجودها مطلقًا؛ لأنه سمعه من لفظه بتروٍ في مدة ثلاث سنوات، ولأنه يذكر بعد أحاديث الأبواب ما إذا كانت تلك الأحاديث أخذ بها فقهاء العراق أو خالفوها، مع سرد الأحاديث التي خالفوا تلك الأحاديث، وهذه ميزة عظيمه يمتاز بها موطأه عن باقي الموطآت.
ثناء الأئمة على محمد:
قال الإمام الشافعي: "أمَنُّ الناس عَلَيَّ في الفقه محمد بن الحسن"، رواه الخطيب عن الحسن بن محمد الخلال، عن علي بن عمرو الجريري، عن علي بن محمد النخعي، عن أحمد بن حماد بن سفيان، عن المزني، عنه.
وذكر السمعاني عن البويطي، عن الشافعي أنه قال: "أعانني الله برجلين: بابن عيينة في الحديث، وبمحمد في الفقه".
وعن الربيع عن الشافعي: "ليس لأحد عليَّ مِنَّة في العلم وأسباب الدنيا ما لمحمد عليَّ"، وكان يترحم عليه في عامة أوقاته.
وعن ابن سماعة: أن محمد بن الحسن جمع من أصحابه نحو مائة ألف درهم للشافعي مرة بعد أخرى، وروى الذهبي في جزئه عن إدريس بن يوسف القراطيسي أنه سمع الشافعي يقول: "ما رأيتُ أعلم بكتاب الله من محمد كأنه عليه نزل".
وروى الطحاوي عن ابن أبي عمران، عن الطبري: أنه سمع معلى بن منصور يقول: لقيني أبو يوسف بهيئة القضاء، فقال لي: يا معلى، من تلزم اليوم؟ قلت: ألزم محمد بن الحسن، قال: الزمه فإنه أعلم الناس.
1 / 20