Alfred North Whitehead ile Müzakereler
محاورات ألفرد نورث هوايتهد
Türler
وقاطعني بشدة قائلا: «كانت ملاحظتي أن المكان الوحيد الذي أعرف أن الإنسان
- «بين جبال أبلاش وجبال روكي؟» - «نعم، حوض المسيسبي، على وجه التقريب.» - «ولماذا لا تكون المناطق الساحلية، على الأطلنطيق والمحيط الهادي؟» - «إنها مجرد ناقلة للثقافة، وثقافتهم أقرب إلى الاشتقاق. أما في الغرب الأوسط، فالجو والتربة والطعام كلها ملائمة، وهي عناصر ثلاثة لازمة لازدهار الحضارة. إن محاولات الإنسان الأولى في الحضارات المدونة في التاريخ قامت في الأجواء الحارة حيث يتوافر الطعام، وحيث تكاد لا تنشأ الحاجة للملبس والمأوى؛ فقد قامت الحضارة الهندية إلى حد كبير على الرز، كما نشأ مجتمع متمدن فيما بين النهرين على الغلة، وفي مصر توافر البلح، وفي أمريكا الوسطى والجنوبية توافر للأزانقة والأنكا الذرة والموز، بيد أن زيادة السكان، التي ربما كان السبب فيها رخص الطعام، هبطت بقيمة العمل وأفسحت الطريق للاستبداد السياسي، وبالرغم من أن الثروة - ومن ثم الفراغ اللازم للثقافة - ربما تنشأ من العمل البخس، إلا أن ما ينجم عن ذلك من فقدان الحرية يبلد الذهن. وكان من نتيجة ذلك أن مدنيتنا الشمالية في أوروبا، حيث الجو أشد برودة، وحيث الحصول على الطعام والملبس والمأوى أكثر مشقة، وحيث تكاثر الجنس البشري أقل غزارة - ولكن الفردية أشد وضوحا - هذه المدنية اجترأت على التفكير العقلي، وكان التفكير فيها أقل تقيدا بالخرافة الدينية، فأنتجت أخيرا ذلك المخلوق المتوافر النشاط، المعتمد على نفسه، وأعني به الإنسان الأوروبي.» - «إن كل نوع من أنواع الإنسان الأوروبي تقريبا يوجد في مكان ما في غربنا الأوسط.» - «بل إن به بيئة بشرية أشد ملاءمة لحضارة جديدة؛ فالإنسان هناك ليس من سلالة مختارة فحسب، بل إن أهل الريف والمدن الصغيرة لا يزالون يكونون نسبة كبرى إذا قورنوا بسكان المدن؛ وذلك مما يعاون على نشر الحضارة. إن خير تفكير الإنسان ما يقوم به إما أفراد يقطنون الريف وإما في جماعات صغيرة، وإما أولئك الذين نشئوا في مثل هذه البيئة في حياتهم الأولى، ثم عززوا تجاربهم بعد ذلك بالحياة في المدن؛ لأن المطلوب هو الاحتكاك بعمليات الطبيعة الأولية إبان سنوات الشباب حينما يكون العقل في دور التكوين.»
قلت: «لاحظت مرارا عند الموازنة بين أطفال الريف أو أطفال المدن الصغرى، وأطفال المدن أو الأطفال الذين نشئوا في الضواحي، لاحظت أن الصبيان الذين نشئوا في الريف أكثر اعتمادا على أنفسهم وأوفر مادة. هب أنهم يفقدون وظائفهم، عندئذ تجد أن الشباب من المدينة أو من الضواحي، الذي ينتمي عادة إلى طبقة الموظفين، مضطربا، يشعر بالعجز، في حين أن الشباب الريفي يتقبل الموقف ببرودة شديدة. أي عسر أمامه؟ لقد كان يكسب عيشه بالعمل بيديه، وهو يستطيع أن يعمل بيديه مرة أخرى إن اقتضت ذلك الضرورة.»
وواصل هوايتهد حديثه قائلا: «إن التمدين (حياة المدينة) نقطة ضعف في كثير من نواحي تفكيرنا الحديث، وبخاصة في المشكلات الاجتماعية. إن التفكير مستمد أساسا من المدن، في حين أن المدن ربما لا تهتم كثيرا. إن المسرحيات البارعة تكتب للمشاهدين المستهترين في المدينة، والشعر الفريد والروايات الشائعة تؤلف عن ساكني الطرقات المزدحمة، الذين يبعدون أكثر العام - لسوء حظهم - عن الاتصال بالتربة، وبالغابات، والبحار، والذين ربما لم يقوموا بعمل يدوي شاق يوما واحدا في حياتهم، والذين قد لا يحسون إلا إحساسا ضعيفا بتقلبات الجو ذاتها. إنهم محرومون من ذلك النظام الذي يفرضه الاتصال اليومي بنمو المحصولات الطبيعي، والذي يفرضه القلق الذي ينجم عن خضوع هذه المحصولات لرحمة أهواء الطبيعة، وهم محرومون كذلك من تلك التجربة التي تبعث الطمأنينة في النفوس، ألا وهي جود الطبيعة في نهاية الأمر.»
وعلقت بقولي: «منذ وقت ليس ببعيد كنت أقرأ المناظر الخاصة بالحانات في جزئي «هنري الرابع». إن هاتين المسرحيتين صدرتا في أوج عصر إليزابث بإنجلترا، ولم يسعني إلا أن أتأمل دائما جلال اللفظ فيهما، والمسرحيتان تستمدان مادتهما من الحياة العادية، وكثير من المادة مستمد من الريف ومن حظائر لحيوانات، ولما كانت خبرتي بالحظائر واسعة منذ الطفولة، أحسست كأن رائحة الحظائر تفوح صادقة من ألفاظ شكسبير. وعلى أية حال فإن مثل هذه الكتابة لا بد أن تصدر عن الريف - كما قلت - ولا يمكن أن تصدر عن أي مكان آخر.»
ووافقني على ذلك هوايتهد قائلا: «أجل، وأعجب من ذلك أني لا أعتقد أن شكسبير كان يتصيد الألفاظ في أي موقف من المواقف. هل يمكنك أن تتخيله يقرض طرف قلمه مفكرا في الكلمة الملائمة؟ إن لديه من الخصوبة ما يجعل الكلمات تتدفق من تلقاء نفسها - فيما أظن - بمجرد تخيله المنظر واضحا. ويجب أن تذكر أن هذه القوة العارمة قد سادت إنجلترا كلها في عهد التيودور. ولو اجتمعنا معا مرة في كمبردج أود أن أصحبك إلى الحجرة العامة في كلية ترنتي، ففيها ستجد صور موظفي الكلية منذ نشأتها، وقد أسسها هنري الثامن؛ ستجد أولا التيودور والإليزابثيين الذين يفيضون حماسة، ثم البيورتان الأشداء، ثم أبناء القرن الثامن عشر الذين تدب فيهم الحياة. أما في القرن التاسع عشر فستجد العالم والرجل المهذب، وفي القرن العشرين تجد العالم وتفتقد الرجل المهذب.»
وامتعضت مسز هوايتهد، ولكنه لم يعبأ بامتعاضها. - «إن التدريب العقلي الذي اجتازه الملوك التيودور لا بد أن يكون قد هيأ أذهانهم للحكم. ولقد كانت تربية إليزابث أشمل تربية تستطيعها أوروبا؛ كانت تألف اليونانية واللاتينية أثناء زياراتها لجامعات أكسفورد وكمبردج، كانت تقرأ الإغريقية كل صباح مع مربيها، روجر إسكام، بادئة نهارها بالنص الإغريقي للكتاب المقدس، ثم تقرأ بعد ذلك وتترجم مؤلفين قدامى من أمثال سقراط وسوفوكليز وديموستنيز، وكانت تنفق الأصائل في اللاتينية، وقد قرأت كل شيشرون تقريبا وجانبا كبيرا من ليفي. ولما وجه إليها السفير البولندي خطابا مهينا باللاتينية - وقد أراد أن يسيء إليها - ظانا أنها تستطيع أن تفهم ومفترضا أنها لا تستطيع أن ترد عليه بلغته، لما فعل ذلك أجابته بكلام مهين فظيع استغرق نصف ساعة، وكان باللاتينية!»
المحاورة السابعة
19 من مارس 1936م
عند تناول العشاء - وكنا ثلاثة فقط - سألوني رأيي في المناوشات الأوروبية، قلت: «إنها ليست حربا، أو إنها ليست كذلك الآن على الأقل.»
Bilinmeyen sayfa