أخذ المحاولات منها ثم وضعها في سلة القمامة. - ستمزق كل المحاولات إن بقيت هنا .. لن تستطيع أن تكتب نجاة وأنت مطوق بأسوار بيتك .. كل شيء يحدث في الشارع .. الحقيقة هي ما يحدث خارج أسوار بيتك فقط.
قال وكأنه ينفجر: لا أستطيع أن أصدق أن الحرب شيء حقيقي وأنها لم تزل مستمرة! - تكذيبك لما يحدث لا يلغي حقيقته.
قالتها وذهبت إلى باب الخروج، لحقها صوته المرتجف: سترجعين .. أليس كذلك؟ - سأخرج .. يمكنك أن تأتي معي.
فتحت الباب ولم يلحقها، فقالت وهي تشدد على الكلمات: لا شيء داخل بيتك حقيقي. ولكني غدوت أعرف أن حبك لنجاة حقيقي جدا. - ابقي هنا أرجوك، ربما لن أستطيع كتابة نجاة، ولكني أستطيع أن أرويها لك .. منذ زمن لم أر أحدا، لم يثبت لي أي آخر أنني لم أزل حيا، وكل الآخرين منهمكون هناك في الحرب. - الآخرون في الشارع، والحرب في الشارع وحبيبتك قتلت في الشارع، والقاتلون والضحايا هناك .. لقد مررت بضحية كادت أن تكون أنا، لقد أخذت مكاني دون أن تعرف، كان القناص يقف على سطوح بناية، ويبحث عن ضحية، وانطلقت رصاصته تماما في لحظة ابتعادي واقتراب الأخرى مكاني .. لقد سقطت أمامي وأدركت أن الحرب كلها هي المسافة بين القناص والضحية .. لن ترى شيئا من هذا إلا إن خرجت .. هناك ستجد أن نجاة كل يوم تسقط. - ما لا تعرفينه أن نجاة هي التي رفضت المساومة ولست أنا .. لقد أنقذتني - بموتها - من التورط بالتفكير في الأمر.
خرجت هدى دون أن تنبس ببنت شفة، تردد جاد قبل أن يلحقها ويخرج لأول مرة منذ غياب نجاة، وصل أسفل البناية، بحث عنها ولم يجدها، كان يتوقع ذلك بل يعرف أنها لن تكون وأن عليه هو أن يكون ويرى، وأول ما أدركه أن هدى هي الضحية، ضحية المسافة بينها وبين القناص، وهذا أيضا لم يكن مفاجئا بالنسبة له، ولكن الصادم في الأمر، والشيء الوحيد الذي لم يكن يعرفه حينها أن الشارع الآن هادئ!
5 «خرجت اليوم إلى الشارع، ذهبت إلى الطريق الطويل الذي كنا نمشي فيه عادة قبل أن يسلبوه منا ويحولوه إلى ساحة حرب لطرفين لا يمكن لهما البقاء معا، على أحدهما أن يموت حتى يبقى الآخر، أو هكذا كنت أظن قبل أن أخرج وأرى الحقيقة.
رأيته يرجوه، تماما كما فعلت .. كان يحمل بيده سكينا ويضعه على عنق طفلة لم تتجاوز العامين من عمرها، أما أبوها فكان يقف بعيدا ويتوسل إليه، تماما كما فعلت، عجز عن الاقتراب، فقال للخاطف: أرجوك .. إنها طفلة لم تفهم الحرب، ولم يزدحم قلبها بالعنف بعد .. أرجوك أبقها لي؛ فالجينات لا تحمل في ذاتها الحروب.»
لم يسمع شيئا، تماما كما فعل معنا، وقبل أن يحز عنق الطفلة جاءه اتصال يبلغه بأن الحرب انتهت، فقطع بالسكين وردة وقدمها للطفلة ثم سلمها لأبيها وبدآ يتبادلان أطراف الحديث وكأن حربا لم تكن.
لقد ذهبوا ثلاثتهم معا، ولم يمت أحد .. كل أطراف الحرب يتسكعون معا في طريقنا الذي سلبوه منا، أما ضحايا الحرب فقد رحلوا قبل أن يعرفوا بأن الحرب ستنتهي بقرار القائدين .. بتصريح واحد. بلحظة .. دون أن يكترث أحد بمن انتصر ومن الذي هزم .. كل ما في الأمر أن الحرب هزمت الجميع.
تقمص
Bilinmeyen sayfa