أخبرتهم أني لا أمتلك هوية ولا وجود لي في دفتر الأحياء أيضا، فصرخوا في وجهي قبل أن يركلوني خارجا: «تعلم كيف تحيا ثم شرف ومت».
فتحت عيني فوجدت نفسي لم أزل فوق السطوح وأن شرياني التأم من جديد، ولكني لم أيأس من الموت، فارتجلت محاولات أخرى: رميا بالرصاص، طعنا، شنقا وقفزا عن البناية .. ولكن عبثا استطعت الموت.
يجب أن أموت لفرط ما انتحرت، ولكن منطق جسمي يختلف عن منطق الدولة، فبلا هوية لا يمكن أن أموت، فكيف لغير الموجود أن يفقد وجوده؟ إني بحاجة لهوية إذن حتى أتمكن من الموت.
6
استمع المحقق لرواية غريب بأكملها، كان العرق ينضح من مسامات جبينه، وقد صار واضحا مدى الارتباك الذي يعانيه المحقق. وهو يعرف جيدا أنه يجب أن يعدم غريب بعدما اعترف بكل تلك التهم، ولكن كيف له أن يحوله للقضاء دون بيانات وهوية، وإن أراد قتله بنفسه فلن ينجح، فإن مات غريب فسيعترف المحقق ولو في قرارة نفسه أن الهوية لا تثبت شيئا ولا تعلن وجودا حقيقيا لأحد، وإن لم يمت فسيشعر بالعجز ويتعرض للازدراء.
كما أنه ألقى القبض على غريب على عاتقه دون مذكرة إيقاف، فيجب أن يصل إلى نتيجة؛ لذلك أخذ قرارا آخر على عاتقه، وذهب به صوب مكتب الجوازات والهويات، وأمر بإصدار بطاقة هوية لغريب حتى يتمكن من إعدامه، وما إن استلم غريب هويته حتى سقط دفعة واحدة على الأرض، وتناثر الدم من وريده إثر قطعه السابق له، وظهر أثر رصاصة كان قد أطلقها على صدره، وعلامة حمراء طوقت عنقه كما المشنقة التي علق نفسه بها آنفا، ثم تهشم رأسه إثر انتحاره من سطوح البناية الشاهقة .. ثم مات ميتة حقيقية ونهائية.
جلسة علاج
1 «الطبيب»
مع نهاية الحرب تماما كانت الحافلة تمشي ببطء؛ لما يصيب الشارع من ازدحام، وكعادتي أجلس في الكرسي الأخير وأقرأ الجريدة فيما صرح مسئول ما عبر المذياع أن زمان العنف والحرب انتهى، ترددت الأصوات والهتافات في الحافلة وامتدت إلى الشوارع والأرصفة التي مررت بها لاحقا.
صدحت المآذن تكرر، وأحاديث المقاهي بملء الأفواه تعلو، النادل يكرر والزبون والعامل والفلاح والطالب والمثقف، نشرات الأخبار تعيد وتكرر: «هزمت الحرب .. وانتصرنا.»
Bilinmeyen sayfa