فأرسلت صورة من المرسوم إلى خورشد باشا، فأجاب بأنه والي مصر بمقتضى خط شريف وأنه لا يعزل إلا بخط شريف، ولكنه مع ذلك أبطل إطلاق النار من القلعة، وطلب مقابلة مندوب الباب العالي فرفض.
فعاد خورشد إلى مفاوضة المماليك، وكان سلحداره قد رجع من المنيا، فاتفق الجميع معا على عمل مشترك يقلبون به مجن الدهر في وجوه أعدائهم.
ولكن محمد علي كان يقظا، فبرز للمماليك وردهم على أعقابهم، ثم تحول إلى سلحداره خورشد فأدبه، وضيق أهل البلد الخناق على الباشا المعزول، وكان أشدهم عليه وطأة رجل من جهة السيدة عائشة يقال له حجاج الخضري، اشتهر بالبسالة والإقدام منذ أيام الفرنساويين .
وبينما الحرب دائرة سجالا ورد نبأ بقدوم عمارة القبطان باشا إلى أبي قير في يوم 17 يوليو تحمل ألفين وخمسمائة مقاتل، وتلا النبأ قدوم سلحدار القبطان باشا نفسه، ومعه مكاتبة إلى خورشد باشا، مضمونها الأمر له بالنزول من القلعة، ساعة وصول الخطاب إليه، من غير تأخير، ومكاتبة إلى محمد علي بتثبيته في مركزه.
فلما اجتمع السلحدار بخورشد باشا في القلعة أذعن خورشد للأمر، ووعد بالرحيل، على أن تدفع مرتبات من خدمه من الزعماء والجند، ولكنه عاد فأخلف وعده، وأخرج من بالقلعة من النساء والأولاد، واحتفظ بالرجال، وبالاتفاق مع سلحداره والمماليك، أثار نار معركة جديدة، ولكن محمد علي أطفأها بسرعة، وأخذ احتياطاته لمنع تجديد مثلها.
فرأى سلحدار القبطان باشا والكابجي أن عدم تتميم المهمة التي حضرا من أجلها ينقصهما جدا فعادا إلى الاجتماع بخورشد وما زالا به حتى أقنعاه بوجوب التسليم والإذعان فقبل، فصعد في 3 أغسطس سنة 1803 حسن أغا سار ششمه محمد علي بجملة من العساكر إلى القلعة، وتسلمها من خورشد، ونزل الباشا المخلوع من باب الجبل في الساعة الرابعة على الحساب العربي من صباح اليوم التالي، إلى جهة باب النصر، ومر من خارجه إلى جهة الخروبي، وذهب إلى بولاق يصحبه كتخدا محمد علي وعمر بك وصالح أغا أق قوش، وفي 9 أغسطس ركب سفنا من بولاق، وارتحل إلى رشيد.
فكان آخر وال عثماني على مصر تأتيه الأوامر من الأستانة رأسا، وخلا الجو منه لمحمد علي، فجلس بدله على سدة الولاية. •••
وهكذا صدق قول الشيخ الوقور له، وأوصلته الطريق الطويلة الوعرة التي سلكها - عملا بنصيحته - إلى ذروة المعالي.
الفصل الثالث
العمل على الثبوت فوق القمة
Bilinmeyen sayfa