قلوب الرجال المقعدين، فسمعت نواحا مرا، وزفيرا متقطعا يملأ الضلوع ندبا ورثاء.
قد فاحت روائح النرجس والزنبق، وعانقت عطر الياسمين والبيلسان، ثم تمازجت بأنفاس الأرز الطيبة، وسرت مع تموجات النسيم فوق الطلول المتشعبة، والممرات الملتوية، فملأت النفس انعطافا، ومنحتها حنينا إلى الطيران.
قد تصاعدت روائح الأزقة الكريهة، واختمرت بجراثيم العلل، ومثل أسهم دقيقة خافية قد خدشت الحس وسممت الهواء. - ها قد جاء الصباح يا حبيبي! وداعبت أصابع اليقظة أجفان النيام، وفاضت الأشعة البنفسجية من وراء الجبل، وأزالت غشاء الليل عن عزم الحياة ومجدها، فاستفاقت القرى المتكئة بهدوء وسكينة على كفتي الوادي، وترنمت أجراس الكنائس وملأت الأثير نداء مستحبا معلنة بدء صلاة الصباح، فأرجعت الكهوف صدى رنينها كأن الطبيعة بأسرها قامت مصلية. قد غادرت العجول مرابضها، وتركت قطعان الغنم والماعز حظائرها، وانثنت نحو الحقول ترتعي رءوس الأعشاب المتلفعة بقطر الندى، ومشى أمامها الرعاة ينفخون الشبابات، ووراءها الصبايا المتأهلات مع العصافير بقدوم الصباح. - قد جاء الصباح يا حبيبتي! وانبسطت فوق المنازل المكردسة
12
أكف النهار الثقيلة، فأزيحت الستائر عن النوافذ، وانفتحت مصاريع
13
الأبواب، فبانت الوجوه الكالحة، والعيون المعروكة، وذهب التعساء إلى المعامل، وداخل أجسادهم يقطن الموت في جوار الحياة، وعلى ملامحهم المنقبضة قد بان ظل القنوط
14
والخوف، كأنهم منقادون قهرا إلى عراك هائل مهلك.
ها قد غصت الشوارع بالمسرعين الطامعين، وامتلأ الفضاء من قلقلة
Bilinmeyen sayfa