وكان يتنقل بين قرى شمال لبنان، ليعظ الناس ويشفي أرواحهم من أمراض الإثم، وينقذهم من حبائل الشيطان، فالشيطان كان عدو الخوري سمعان، يحاربه ليلا ونهارا بلا ملل ولا تعب.
وكان سكان القرى يكرمون الخوري سمعان، ويرتاحون إلى ابتياع عظاته وصلواته بالفضة والذهب، ويتسابقون إلى إهدائه أطيب ما تثمره أشجارهم، وأفضل ما تنبته حقولهم.
ففي عشية يوم من أيام الخريف، وقد كان الخوري سمعان في مكان خال نحو قرية منفردة، بين تلك الجبال والأدوية، سمع أنينا موجعا آتيا من جانب الطريق؛ فالتفت، فإذا برجل عاري الجسم منطرح على الحصباء، ونجيع الدم يتدفق من جراح بليغة في رأسه وصدره، وهو يقول مستنجدا: «أنقذني، أعني، أشفق علي، فأنا مائت!»
فوقف الخوري سمعان محتارا، ونظر إلى الرجل المتوجع ثم قال في ذاته:
2
هذا أحد اللصوص الأشقياء، وأظن أنه قد حاول سلب عابري الطريق، فغلب على أمره ... فهو منازع، فإذا مات وأنا بقربه اتهمت بما أنا براء منه!
قال هذا وهم ليتابع السير، فأوقفه الجريح بقوله: «لا تتركني، لا تتركني، أنت تعرفني وأنا أعرفك، أنا مائت لا محالة!»
فقال الخوري في ذاته، وقد اصفر وجهه، وارتعشت شفتاه: «أظنه أحد المجانين الذين يتوهون
3
في البرية.» ثم عاد وقال لنفسه: «إن منظر جراحه يخيفني، فماذا عسى أن أفعل له؟ ... إن طبيب النفوس لا يستطيع أن يداوي الأجساد.»
Bilinmeyen sayfa