منهج الراغب في كتاب «المفردات»:
لقد سلك الراغب في كتابه منهجا بديعا، ومسلكا رفيعا، ينمّ عن علم غزير، وعمق كبير فنجده أولا يذكر المادة بمعناها الحقيقي، ثم يتبعها بما اشتقّ منها، ثم يذكر المعاني المجازية للمادة، ويبيّن مدى ارتباطها بالمعنى الحقيقي.
وهذا أمر لا يقدر عليه إلا من سبر غور اللغة، وخاض في لججها وبحارها.
ويذكر على كل ذلك شواهد من القرآن أولا، ثم من الحديث ثانيا، ثم من أشعار العرب وأقوالهم ثالثا.
ففي نطاق الآيات يكثر الراغب من الاستشهاد بها على المعنى المراد، كما يورد القراءات الواردة، ثم نراه يفسر القرآن بالقرآن كثيرا، ثم بأقوال الصحابة والتابعين، ثم يأتي بأقوال الحكماء التي تتفق مع الشريعة.
ولنضرب أمثلة على ذلك:
ففي مادة (إبل)، يقول: الإبل يقع على البعران الكثيرة، ولا واحد له من لفظه.
فهذا المعنى الحقيقي، ثم يقول:
وأبل الوحشي يأبل أبولا، وأبل أبلا: اجتزأ عن الماء، تشبيها بالإبل في صبرها عن الماء.
فهذا المعنى المجازي للفظ، والجامع بين المعنى الحقيقي والمجازي الصبر عن الشيء، ثم يقول:
وكذلك: تأبّل الرجل عن امرأته: إذا ترك مقاربتها.
وهذا أيضا مجاز، والعلاقة واضحة بينه وبين المعنى الحقيقي.
وفي مادة (بور) قال: البوار: فرط الكساد.
فهذا هو المعنى الحقيقي، ثم قال:
ولمّا كان فرط الكساد يؤدي إلى الفساد، كما قيل: كسد حتى فسد، عبّر بالبوار عن الهلاك.
فهذا المعنى المجازي، وهذا يسمى مجازا بالأوّل.
ثم ذكر أمثلة من القرآن والحديث، فقال: قال ﷿: تِجارَةً لَنْ تَبُورَ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ، وروي: «نعوذ بالله من بوار الأيم»، وقال ﷿: وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ.
1 / 19