وعلاوة على ذلك ، فبالرغم من المجهودات المستمرة التي بذلتها الحكومات المصرية المتعاقبة للنهوض بالشعب، فإن كل عنايتها وعناية بقية الأحزاب السياسية كانت منصرفة إلى مقاومة السيطرة الأجنبية، وإنني واثق أنه متى زال هذا العامل الخارجي، فإن الإصلاحات الداخلية التي يرجوها الجميع ستتحقق، وستسير بخطى سريعة.
لقد أكدت لهذه الدوائر مرة أخرى استعداد مصر للمناقشة في مسألة القواعد الاستراتيجية اللازمة للدفاع المشترك في حدود ميثاق هيئة الأمم المتحدة، غير أنه لا يمكنها بحال أن تمنح امتيازا خاصا لدولة بمفردها كبريطانيا العظمى.
من هذه البرقية، والخطاب الذي سبقها يتبين مدى ما كان يعلقه القوم في أميركا على نجاح المفاوضات المصرية البريطانية، وكيف كانوا - على ما يظهر - مقتنعين بالنظرية الإنجليزية، التي تضمنها مشروع المعاهدة البريطاني الذي رفضه الوفد المصري، وكان رفضه سببا في وقف المفاوضات، وهو المشروع الذي يحقق السيطرة على مصر، ويحولها إلى منطقة لإنجلترا وأميركا، وحلفائهما في زمن الحرب.
لجنة الدفاع المشترك
لما توقفت المفاوضات المصرية البريطانية، كان واجب الفريقين أن يعملا على تذليل الصعوبات لإعادتها واستئنافها؛ لأن من مصلحة بريطانيا ومصر الوصول إلى حل، وإقامة علاقتهما في المستقبل على أساس من الثقة والتفاهم ... ولقد كنت على اتصال دائم بسفيرنا في لندن وسفير إنجلترا في مصر، وحدثت عدة اتصالات بيني وبين هذا الأخير، كان الغرض منها التغلب على العقبات القائمة. ولم يمض وقت حتى ظهرت في الأفق رغبة قوية في الاقتراب من آمال مصر، فيما يتعلق باشتمال المعاهدة على ما يضمن سيادتها القومية، والابتعاد عن أي تدخل أو سيطرة من جانب إنجلترا ... ومع تسليم الجانب الإنجليزي بأن ما تنتويه مصر هو أن تضع قواها في المستوى اللائق بها، كحليفة لإنجلترا، فإنهم أبدوا تخوفا من أن هناك فترة من الوقت قد تطول بعد إمضاء المعاهدة - وهي الفترة التي لم تكن مصر قد استعدت فيها استعدادا حربيا كافيا، يلائم الوضع الدولي الجديد المبني على استقلالها من جهة، وعلى إخلائها من الجيش البريطاني من جهة أخرى - وعبروا عن هذه الفترة بكلمة فراغ
vacuum
على لسان بيفن وغيره من رجالهم ...
وبعد أخذ ورد طويلين، وعودة الإنجليز إلى المبدأ الذي كنت قد سلمت به، وهو مبدأ التشاور بين الرؤساء العسكريين في كلا البلدين، اقترحوا النظام الموجود فعلا بين إنجلترا وكندا المرتبطين بمعاهدة عسكرية - وهو نظام «لجنة الدفاع المشترك».
وفي يوم الثلاثاء 18 يونيو سنة 1946، قابلني السفير البريطاني سير رونالد كامبل، ومعه مستر بوكر، وقدما إلي هذا الاقتراح، وأبلغاني أنه إذا وافق الجانب المصري على مبدأ إنشاء هذه اللجنة، فإن اللورد ستانسجيت سيحضر إلى مصر ثانية، وتستأنف المفاوضات.
وقد عرضت هذا الاقتراح على زملائي، فوافقوا عليه من حيث المبدأ بشبه إجماع، وعاد ستانسجيت، واستؤنفت المفاوضات، وأخذ الوفدان المصري والبريطاني يتناقشان في التفاصيل.
Bilinmeyen sayfa