مثل هذا يكون مستطاعا لو أنه يتصل بأسباب حياة الناخب اليومية، أو لو أنه شيء يرتجل ولا حاجة فيه إلى إعداد وتربية، ومن أجل ذلك كان الانتخاب ذو الدرجتين أدعى إلى التعبير السليم بين المرشحين، فإن من شأنه أن ينتج أفضل أهل القرية وأكثرهم غشيانا للمدن، ومعرفة بالرجال، وبالتالي أقربهم إلى العلم بالشئون العامة.
ونلخص ما تقدم في كلمتين: أن الانتخاب المباشر يجعل الفلاح ينتخب نائبا لا يعرفه ...!
عيوب مجلس الشيوخ
وما يقال في عدد أعضاء مجلس النواب من حيث الثبات، وطريقة الانتخاب يقال في مجلس الشيوخ؛ ولهذا نص دستور سنة 1930 على أن عدد الشيوخ يكون ثابتا لا يتجاوز المائة، وعلى أن انتخاب المنتخبين يكون على درجتين.
الجزء الأول ... والجزء الأخير من مسودة تصريح 28 فبراير بخط إسماعيل صدقي باشا.
أعضاء لجنة الدستور يتوسطهم حسين رشدي باشا رئيس اللجنة.
بقيت مسألة التعيين والانتخاب، ونسبة كل منهما للآخر، فقد روعي في مجلس الشيوخ أن يكون بعض أعضائه معينين، والبعض الآخر منتخبين، غير أن دستور سنة 1923 آثر الانتخاب بالعدد الأكبر، فجعل له ثلاثة أخماس الأعضاء، وترك لتعيين الملك الخمسين.
وقد كان وما يزال أخص ما يعاب على الأنظمة النيابية أنها جعلت السياسة صناعة يحترفها، ويحذقها عدد غير قليل.
وإذا كان ذلك مما لا يستطاع تجنبه للحاجة إلى أمثالهم في تكوين صفوف الأحزاب، فإنه مما يقوم الأداة السياسية للبلاد أن يكون إلى جانب هؤلاء أشخاص يستطيعون بمكانتهم الاجتماعية، أو بسابق خدماتهم أن يكونوا مستقلين عن الأحزاب كل الاستقلال أو بعضه، كما يستطيعون بما اجتمع لهم من علم أو تجربة في الصناعات، والأعمال التي زاولوها أن يدخلوا في الحياة السياسية آراء ناضجة، ومشاعر ونزعات خلت من النعرة الحزبية.
ولكن كثيرا من هؤلاء يأبون أن يخوضوا معامع الانتخاب؛ صونا لكرامتهم عن المنازعات والمناضلات؛ لذلك تفتح لهم في كثير من البلاد أبواب مجلس الشيوخ، وسواء أكان الدخول فيه بطريق التعيين أو بطريق الانتخاب، فإنه لإبعاد مزاحمة طوائف محترفي السياسة، رأيت أن يشترط فيمن يدخله شروط خاصة من الوظائف أو الأعمال، أو الصناعات أو الثروة، وزدت في الدستور نسبة المعينين في هذا المجلس من خمسيه إلى ثلاثة أخماسه، فأصبحت نسبة المعينين من الشيوخ أكثر من المنتخبين، حتى لا تحرم البلاد من خدمات عدد من رجالها الأكفاء.
Bilinmeyen sayfa