ولو أن وزارة ثروت باشا أتيح لها أن تبقى مدة أطول في الحكم لأنتجت أكثر من هذا الإنتاج، مع جلاله وعظمته في تلك الظروف العصيبة.
ومما يؤسف له أن البلاد في ذلك الحين قد سممت بدعايات ضد تصريح 28 فبراير كانت من أهم ما سبب استقالتها، وتذكرني هذه الدعايات بمثلها مما جرى بعد إمضاء المشروع الأخير المسمى «مشروع صدقي - بيفن».
وقد استقالت وزارة ثروت في 29 نوفمبر سنة 1922، وتركت لخلفها تراثا سياسيا مجيدا ...
لماذا حللنا مجلس نواب سنة 1925؟
استقالت وزارة عبد الخالق باشا، التي كنت أحد أعضائها في نوفمبر سنة 1922 ... وكانت هذه الوزارة هي التي ألغت الحماية، وأعلنت استقلال مصر، وألفت لجنة الدستور، وتم في عهدها وضعه، وأحالته إلى اللجنة التشريعية، ونجحت في صيانته أثناء وجودها من أن تعبث به العناصر الرجعية، التي كانت ممثلة في بعض رجال السياسة والمستوزرين ...!
وكان همنا نحن الثلاثة - عدلي، وثروت، وأنا - بعد استقالة هذه الوزارة أن يصان الدستور من أي عبث، وأن يصدر سريعا، وألا تنجح تلك العناصر في الحيلولة دون إصداره، أو تعمل لتأخيره أو تعديله، بحيث تضعف فيه الصبغة الديمقراطية ... وكان الإنجليز وقتئذ متفاهمين معنا على الدستور، إذ كان كل خوفهم من الطابع الاستبدادي للحكم ... ولم يكن بيننا وبينهم خلاف إلا على المادة الخاصة بلقب «ملك مصر والسودان»؛ لأنهم كانوا يرون أن مسألة السودان من المسائل المحتفظ بها في تصريح 28 فبراير.
وفي هذا الوقت بذلت جهود في سبيل جمع كلمة الأمة للقضاء على المساعي الرجعية، التي كانت ترمي إلى تأخير إصدار الدستور، وعلى الرغم من أن هذه الجهود لم تصل إلى تحقيق جميع أغراضها، إلا أنها أوجدت تفاهما عاما بين جميع الهيئات على محاربة الرجعيين والقضاء على محاولاتهم!
كيف سقطت في الانتخابات؟
وقد نجحت مساعينا في الوصول إلى إصدار الدستور سنة 1923، ثم أعلنت الانتخابات لبرلمان سنة 1924 فرشحت نفسي لمجلس النواب في دائرة سندا بسط، التي تتبعها بلدتي «الغريب»، وإذ ذاك نشأت فكرة الأغلبية الساحقة برياسة سعد زغلول باشا، فرشح الوفد أمامي الأستاذ نجيب الغرابلي «نجيب الغرابلي باشا»، وعلى الرغم من كونه رجلا فاضلا فإنه لم يكن ابن الدائرة، ولم يكن معروفا بها.
وكنت أعتقد أنني سأنجح في دائرتي؛ لأن جهودي في خدمة بلادي، وماضي في الجهاد واشتراكي في الفوز باستقلال مصر بتصريح 28 فبراير، كان كل ذلك مما يضمن النجاح. ولكن شخصية سعد زغلول في ذلك الحين كانت شخصية جبارة، وفي الوقت نفسه جذابة غمرت البلاد بقوتها، وشدة تأثيرها، واجتاحت أمامها كل شيء، وأصبح الاعتقاد فيها يشبه الاعتقاد بالأنبياء، فلم أفز في الانتخابات إلا بأقل من ثلث الأصوات، وسقطت أمام منافسي الوفدي غير المعروف إذ ذاك لأهل الدائرة ...!
Bilinmeyen sayfa