فقال لورد ستانسجيت: «إني قرأت الكثير عن السودان، وصحيح قد جاءت عبارة السيادة على لسان بعض ساستنا مثل لورد كرومر، ولكن هناك في هذا الموضوع أخذ ورد طويل، وهناك أيضا أن العنوان الذي اتخذ لملك السودان، وهو الذي تسمى به الخديو إسماعيل لم يعد ينطبق على الواقع الآن، فهناك بلاد خرجت من السودان وبلاد أدخلت فيه، وهناك اعتداءات وقعت على السودان، وصدقني لو أننا لم نكن إلى جانبكم منذ سنة 1898 لكان السودان طعمة سائغة للفرنسيين، الذين كم حاولوا مد إمبراطوريتهم إلى هذه النواحي ونحن لهم بالمرصاد ...»
فقلت: «كل هذا كلام طيب، ولكن الأمر بالنسبة لنا أمر كرامة وأمر عاطفة، والمصريون في هذا الموضوع شديدو التمسك بما يعتبرونه وضعا مقدسا»، فقال: «كم أنا أخشى هذا التمسك! وكم أود أن تعالج هذه المسألة معالجة عملية، أساسها مصلحة السودانيين فقط، مع ابتعادنا نحن الاثنين عما يوجب التنازع، ونحن وأنتم مطالبون بأن نرعى مصلحة هذا الشعب السوداني الموكول أمره إلينا نحن الاثنين»، فقلت: «إني أخاطبك وقد فهمت أنك قرأت الكثير عن السودان، وتبينت حقيقة وضعه، وهذا الذي يطمعني أن أرى فيكم من يساعد على تحقيق غرض المصريين، وهو كما قلت لك غرض بعيد عن المادة، وعن الكسب وعن الأطماع الذاتية.»
الباب المفتوح
وإلى هنا انتهى الحديث، وفيه اختصار كبير ولو أن الحديث كما هو مدون يتضمن كل المعاني التي تبادلناها ... وهنا قلت: «إني أبنت في مستهل كلامي أن قرار هيئة المفاوضة المصرية ليس مما يدعو إلى القطع
rupture ، وأؤمل أن يكون هذا رأيكما.»
قال اللورد: «إني أول الراغبين في استمرار المفاوضة للوصول إلى تحقيق الغرض الذي قصدناه نحن الاثنين، ولكن كيف يكون الباب مفتوحا، وقد أوصدتموه بعبارتكم القاطعة؟»
فقلت: «إنه ما دام لكلينا غرض أساسي واحد، فلا يمكن إلا أن يتضافر جهدنا مهما اعترض سبيلنا من العقبات لتحقيقه، وأنا من جهتي كرئيس للحكومة المصرية أصرح لكما أن مصر تتوق إلى معاهدة مع إنجلترا، وقد فهمت أنكم تهدفون مثلي إلى هذه الغاية، فلا أدرك كيف لا ننتهي إلى النتائج المرجوة ما دامت الرغبتان متقابلتين؟»
فقال اللورد والسفير: «لقد علمتم أن مستر بيفن فرض علينا أن نعرض عليكم مقترحاته باعتبار أنها الرأي النهائي للحكومة البريطانية، بل ذهبنا إلى أن نوضح لكم أن الاقتراحات المذكورة تمثل وحدة غير قابلة للتجزئة، ونحن نشعر بأننا لا نستطيع التكلم عن إمكان المضي في المفاوضات، بعد أن لم تقبلوا مقترحات مستر بيفن، وبهذا يصبح التسليم منا بأن الباب مفتوح مختلف مع حقيقة الحال.»
فقلت: «هذا صحيح ولكنه لم يمنع من أن استوضحتموني أشياء كثيرة أجبتكم عنها، وبما أن ردودي هذه قد تثير لدى مستر بيفن رغبة في المضي في المناقشة، فأظن أنه من غير المستساغ أن تعتبروا باب المفاوضات غير مفتوح، فتحرموا مستر بيفن وحكومتكم من تبادلنا الرأي في المسائل التي جرى عليها الخلاف.»
فقال اللورد: «ولكن ألا ترى أننا إذا نشرنا اليوم أن قراركم سيبلغ للمستر بيفن، وله أن يرد بالموافقة أو عدمها؛ ألا ترى أن في ذلك الكفاية؟»
Bilinmeyen sayfa